وأمام سابقة حرق العلم الوطني الموريتاني هذه ،شنت السلطات الامنية بمحافظة لبراكنه حملة اعتقالات واسعة، طالت أكثر من 20 شخصا من سكان القرية ، أغلبهم شباب باستثناء شيخ ستيني اتهمته السلطات المحلية بالتخطيط لتلك الاحتجاجات.
وتزامنا مع حملة الاعتقالات ،فرض الحرس الوطني حظر التجوال في القرية ، في وقت دخلت فيه السلطات المحلية في مفاوضات مع شيوخ قبائل المنطقة من أجل تهدئة الوضع وتلبية مطالب المحتجين.
وعن تلك المطالب يقول "محمد" ،وهو واحد من عشرات المحتجين الذين لم تطلهم حملات الاعتقال، ان سقف مطالبهم تراجع في الاشهر الاخيرة الى مطلب واحد ،هو توفير الماء الصالح للشرب، ولا شيء سواه .
ويؤكد "محمد" ل"أصوات الكثبان"أن العشرات من شباب مال تظاهروا قبل شهرين أمام القصر الرئاسي بنواكشوط للتذكير بمعاناتهم مع العطش، لكن أحدا من المسؤولين لم يهتم لمشكلتهم التي اصبحت تهدد حياة الساكنة بفعل لجوئهم الى مياه الآبار ومياه الامطار، رغم مخاطرهما الصحية.
وأمام عجز مختلف المصالح المعنية يُضيفُ" محمد"خرجنا في مظاهرة احتجاجية سلمية في قرية مال، إلا أننا تفاجأنا بردة فعل وحشية من قبل حراس رئيس المركز الاداري الذين نكلوا بنا ،حيث حاولنا قدر استطاعتنا مسك أعصابنا قبل أن يقوم الحراس بضرب شيخ مسن جاء لمآزرتنا لحظتها قررنا مواجهة الحرس وطردناهم من مقراتهم.
واتهم "محمد"حرسَ رئيس المركز الاداري ،بانتهاج خيار التصعيد وبث الرعب في قلوب الساكنة من خلال إغلاق باب الحوار مع وجهاء المنطقة، وفسح المجال أمام التعزيزات التي رافقت الاحتجاجات بإطلاق مسيلات الدموع لتصيب عددا من المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة داخل منازلهم فضلا عن ضرب النساء وسلب هواتفهم خارج أماكن التجمهر، وهو ما عقد الأمور وزاد من حدة التوتر.
بدورها "مريم عابدين" وهي احدى سكان " مال" لا تخفي سعادتها في حديثها ل"أصوات الكثبان"،بانتفاضة شباب القرية ضد الغبن والتهميش.
وتَعتبرُ "مريم" أن لجوء السكان المحليين الى العنف له ما يبرره ،بعد أن وصل سعر برميل المياه الى 1500 أوقية، أي ما يعادل 5 دولار أمريكي.
وتتساءل "مريم" ،كيف لفقراء مثلنا الحصول على هذه المبلغ الذي يتجاوز الدخل اليومي لأغلب سكان منطقة مثلث الفقر؟
وتقولُ "مريم"ان الحصول على برميل من الماء الصالح للشرب في قريتهم أصبح من سابع المستحيلات ،هذا فضلا
عن تهميش السكان على جميع الأصعدة سواء الجانب الصحي أو التعليمي أو على مستوى البنية التحية المعدومة داخل مركزهم الاداري .
ويُضيفُ العديدُ من أطر قرية"مال"في حديثهم ل"أصوات الكثبان" أن السكان هنا مازالوا متمسكين بالنهج السلمي لتحقيق مطالبهم ،وعلى رأسها إيجاد حل جذري لأزمة العطش التي مازالت تراوح مكانها حتى الساعة.
من جهتها طالبت عدةُ احزاب وطنية من السلطات الموريتانية ،تحمل مسؤولياتها حيال أزمة سكان"مال".
وفي هذا الصدد، ندد حزب "التناوب الديمقراطي" بالأسلوب الجديد الذي ينتهجه النظام الديكتاتوري الحاكم على حد تعبيره ، حيث أصبح يرد بالقمع والتنكيل على كل من يطالب بحقوقه المشروعة، معتبرا ذلك منافيا للحرية في التعبير المكفولة دستوريا.
نفسُ الموقف ذهب اليه حزب "الصواب" الذي دعا الحكومة الموريتانية إلى أن تكون أحداث "مال" فرصة لرؤية مشاكل المواطنين الحقيقية في الريف والبحث لها عن حلول بعيدة عن الدعاية الانتخابية.