في قسم التصفية بمستشفى" الشيخ زايد" بنواكشوط الشمالية،تخضع "عائشة" لعمليتي تصفية في الاسبوع وهو ما جعلها تقيم بشكل دائم في العاصمة ، بعيدا عن عائلتها التي تقطن في محافظة "اترارزة" التي غالبا ما تشهد فيها أجهزة التصفية مشاكل عديدة تهدد حياة المرضى.
وتقولُ عائشة ل"أصوات الكثبان" ان معاناتها وغيرها من مرضى الفشل الكلوي تفاقمت ،بعد الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار الادوية الضرورية لعملية التصفية ،مثل الانابيب المعدنية والبلاستيكية الفخذية والعنقية التي وصل سعرها إلى 45.000 أوقية ،ويباع الأنبوب المجهز بسعر 150.000 أوقية، أي ما يعادل 500 دولار أمريكي.
وتستغربُ "عائشة" من عجز وزارة الصحة الموريتانية عن توفير فحصPTH الخاص بالمرضى الذي لا يتم القيام به ،إلا في المخابر الخصوصية بمبلغ 15.000 أوقية، وتعزي ذلك الى تواطئ المسؤولين الصحيين مع رجال الاعمال الذين يتحكمون في حياة المرضى على حد تعبيرها.
حالُ "عائشة" حالُ العشرات من مرضى الفشل الكلوي الذين التقينا بهم في المستشفى المركزي بنواكشوط الغربية ومستشفى الصداقة بنواكشوط الجنوبية، فكل الآراء هُنا تجمع على تحميل الدولة مسؤولية معاناة مرضى الفشل الكلوي وهو ما دفع بالعديد منهم الى طرق أبواب المنظمات الخيرية المهتمة بضحاياه.
وأشادت "أم المؤمنين" وهي احدى المصابات بالفشل الكلوي، التقينا بها داخل مستشفى الصداقة بمنظمة تدعى هيئة النجاة الخيرية التي تأخذ على عاتقها بشكل شبه يومي تقسيم دواء Mimpra 30 مجانا على مرضى القصور الكلوي.
وتقول "أم المؤمنين" في حديثها ل"أصوات الكثبان" ،ان الهيئة المذكورة تقدم الدعم المتواصل لـ 950 مريضا بالفشل الكلوي ،غالبيتهم من الفقراء ،كما توفر لهم أجهزة كانت توفرها المستشفيات الحكومية، قبل أن تتخلى عن ذلك بسبب الفساد المستشري في القطاع الصحي على حد وصفها.
ويؤكدُ "عبد الرحمان" لـ"أصوات الكثبان" وهو أحد المستفيدين من تدخلات الهيئات الخيرية أنها نجحت في إقناع بعض مخابر التحاليل الطبية بتخفيض الفحوص لمرضى الفشل الكلوي.
هذا الواقع الصعب لمرضى الفشل الكلوي، دفع بالرابطة الموريتانية للمصفين للكلى والمعانين من قصورها الى اطلاق نداء عاجل للحكومة الموريتانية وللمنظمات من أجل التكفل بشراء كل الأدوية الضرورية للمعالجين بالتصفية، والأدوية المخفضة للضغط والملحقات الأخرى التي يشتريها المرضي.
وتقولُ الرابطة في آخر تقرير لها ان عدد مرضى الفشل الكلوي في موريتانيا وصل الى 1750 ، منهم 1186 مصابون بقصور كلوي مزمن ويخضعون إلى تصفية خارج البدن بمعدل ثلاث حصص في الأسبوع وأربع ساعات لكل حصة.
وتضيفُ الرابطة أن المرض يزداد بنسبة تتراوح ما بين 4و5 حالة جديدة في اليوم على الأقل، مشيرة إلى أنه لا يوجد نظام ضمان اجتماعي لتكفل شامل بالمريض، كما لا توجد استراتيجية وقاية من هذا المرض ولا حتى سجلا وطنيا محينا يمكن من امتلاك كل المعطيات الوبائية حول المرض.
وتُلفتُ الرابطة الانتباه إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والطفل والأسرة التي هي مسؤولة عن هذه الفئة من السكان، لا تقدم إلا دعما رمزيا يتمثل في 40.000 أوقية سنويا أي مايعادل 110دولار ، في حين أن المرضي الخاضعين لتصفية الكلي ضعاف بدنيا ونفسيا وماديا.
ويقولُ الدكتور"سيد محمد ولد الحاج"مدير مستشفى "بورات" ان اعتماد سكان الارياف على شرب المياه الملوثة ساهم في انتشار مرض الكلى خاصة في الاوساط الريفية حيث ينحدر أغلب المصابين بهذا الداء من القرى والارياف التي لا تتوفر عادة على المياه الصالحة للشرب.
ويضيفُ ولد الحاج لـ"أصوات الكثبان" أنه بالإضافة الى الأسباب السابقة فان غياب ثقافة المتابعة الصحية والكشف المبكر عن مرضى السكري وضغط الدم ، فاقم من حالات الاصابة بمرض الفشل الكلوي لدى العديد من الموريتانيين.
ويُعزي الدكتور "محمد ولد سيد" الانتشار الملاحظ للفشل الكلوي بين الموريتانيين الى غياب سياسية وقائية ضد المرض، الذي وصفه بالصامت.
وحذر "ولد سيد" من تزايد حالات الفشل الكلوي في الارياف بسبب غياب الكشف المبكر و نقص الأخصائيين وندرة الخبرة، قائلا ل"أصوات الكثبان" انه من غير المستبعد أن يكون آلاف الاشخاص قد أصيبوا بفشل حاد لم يتم تشخيصه و لم يصل إلى مرحلة المزمن، أي التصفية والغسيل لعدم التشخيص والعلاج.
وتطالبُ منظمات المجتمع المدني العاملة على محاربة هذا الداء ، بحملات كشف حكومية عن المرض الذي أصبح كالوباء لتفشيه في جميع شرائح الشعب ،كما تطالب بإنشاء صندوق دعم من أجل تقديم العون للرابطات النشطة وكذلك تنظيم وتأطير ومساعدة المرضى للقيام بنشاطات مدرة للدخل لمحاربة الفقر أو مساعدة من يستطيعون العمل منهم على إيجاد مورد رزق يعينهم على مواجهة المرض و مصاعب الحياة.