هذا الواقع الاقتصادي الصعب، شكل عاملا محفزا دفع بالمرأة الريفية الموريتانية الى تحدي الفاقة و الانخراط في مجال التعاونيات النسوية ،وهو ما ساهم في تحسين دخلها المادي واندماجها في الحياة النشطة.
تَرى "السالمة" وهي مُنهمكةُ رفقة زميلاتها في تطريز"زربية " صنعت بأنامل موريتانية أن فكرة التعاونيات النسوية تختزل جدوى العمل الجماعي في المجتمعات الفقيرة، من جهة ومن جهة أخرى تشكل ثورة نسائية على أعراف المجتمع التي فرضت الاتكالية على المرأة وجعلتها رهينة لدى الرجال.
وتقولُ"السالمة" لـ"أصوات الكثبان"ان الظروف التي دفعتها الى مجال "التطريز" هي نفسها التي فرضت على زميلاتها "آمال "و"نزيهة " و"توتو" الانخراط في العمل النسوي الجماعي من أجل لقمة العيش، وتُضيفُ "كل زميلاتي الموجودات إما مطلقات أو أرملات وأغلبهن معيلات أسر وينحدرن من أوساط فقيرة ".
وبحماسة شديدة تُؤكدُ"نزيهة "أن شعارهن في تعاونية الفوز "بتيرس زمور" هو رفع التحدي ،ومازحتنا بالقول إنه ليس لديها الوقت الكافي للحديث الينا ،لأنها بصدد وضع اللمسات النهائية على طلبية من "الزرابي" ستُسلَمُ بعد أربعة أيام، وأن كل زميلاتها يشاركن في عملية الإنتاج، تماما مثل خلية النحل كل حسب اختصاصه ومهاراته ،وعند استلام ثمن الطلبية سيتقاسمن عائداتها المادية وسيكون لديهن متسع أكثر للحديث الينا.
وتُؤكدُ "عائشة "وهي احدى أعضاء تعاونية بأزويرات أن نشاطها الاقتصادي يشمل اختصاصات متنوعة، كالنسيج والخياطة وصناعة الأحجار الكريمة ،ويزداد ليشمل مجالات أخرى كلما ارتفع راس مال التعاونيات الذي يكون عادة هبة حكومية أو مساعدات مقدمة من قبل منظمات أجنبية .
وتُشيدُ "عائشة" بتدخلات وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بشكل سنوي على تقديم الدعم المادي والمعنوي للتعاونيات النسوية .
وتكشف "عائشة" أنها تمكنت بعد اندماجها في العمل النسوي رفقة زميلاتها من الحصول على عائدات مالية ساهمت في اعانة عائلتها التي تعتبر معيلها الوحيد ،فهي الآن تصرف على أبنائها الذين يزاولون الدراسة في مدرسة خاصة وهذا مكسب بالنسبة لها ،كانت تعجز عنه قبل عملها في هذا المجال .
وتُؤكدُ "عائشة" أن عملها الجماعي رفقة زميلاتها بالإضافة الى مردوده الاقتصادي له بعد اجتماعي ،حيث نشأت بين فريقها علاقة وطيدة.
وتضيف" أصبحنا مثل الأخوات نحزن لبعض ونفرح لبعض ونمضي أغلب الأوقات معا من أجل خدمة عائلاتنا ولتحسين مستوانا المعيشي ".
وتعليقا على ظاهرة التعاونيات النسوية، يقولُ الاخصائي الاجتماعي " احمد ولد سيد" لـ"أصوات الكثبان"ان التعاونيات النسوية فتحت الباب أمام النساء في موريتانيا لإيجاد مصدر رزق لهن وإعالة أسرهن ،معتبرا أنها شكلت حلا اقتصاديا بالنسبة للأرامل والمطلقات وربات الأسر الفقيرة، خاصة في الوسط الريفي.
ويَلفُتُ " ولد سيد " الانتباه الى العلاقة الوثيقة بين الطلاق والأمية وخروج المرأة الموريتانية للعمل ، كاشفا عن دراسة نشرت مؤخرا أظهرت أن نسبة الطلاق ارتفعت في صفوف الموريتانيات لتصل إلى 31%، بينما تقدر نسبة الأمية التي تدفع النساء إلى القبول بمهن متواضعة بـ53%، وترتفع هذه النسبة إلى 82% في صفوف النساء العاملات في المجال الزراعي.
وكانت الحكومةُ الموريتانية، قد أطلقت مؤخرا برنامجا لتمويل الأنشطة المدرة للدخل لصالح التعاونيات النسوية.
وبلغ الغلافُ المالي الاجمالي لهذا البرنامج 166 مليون أوقية على نفقة الدولة واستفادت منه حتى الآن 1371 تعاونية نسوية منتجة.
ويسعى البرنامج فى مرحلته الأولى إلى تمويل الأنشطة المدرة للدخل لصالح التعاونيات النسوية على مستوى ولايات نواكشوط الثلاث بغلاف مالي يبلغ 23 مليون أوقية.
وتستفيد من هذا التمويل 294 تعاونية ريفية على شكل قروض ميسرة بدون فوائد مع الإعفاء من التسديد لمدة أربعة أشهر.