وبعد حصول آلاف الارقاء السابقين على حريتهم خلال العقود الماضية ،ظهرت أحياء قصديرية في الريف خاصة بهم ،تَغِيبُ فيها أبسَطُ مقومات الحياة يُطلق عليها محليا اسم "آدوابة".
وفي هذا الإطار أنشأت الحكومة الموريتانية "الوكالة الوطنية لمكافحة مخلفات الرق وللدمج ولمحاربة الفقر، وهي هيئة تسعى لمحو آثار ظاهرة الرق من خلال تدخلاتها التنموية في التجمعات السكنية للعبيد السابقين.
تَجمُعُ "قرى بورات"، أَولُ تَجمُعٍ سكاني تُشَيدُهُ الحُكومةُ المُوريتانيةُ في اطار مكافحة العبودية ومخلفاتها.
يَقعُ هذا التجمع، على بعد 60 كلم من مركز مال الإداري وعلى بعد 140 كلم من مدينة ألاك عاصمة محافظة البراكنه.
قبل عقد من الزمن كان وجود منشآت خدمية مثل مستشفى ومدرسة حلما بعيد المنال بالنسبة للسكان ، حسب ما أخبرنا محمد وهو أحد الارقاء السابقين.
ويُشيدُ "محمد" في حديثه لـأصوات الكثبان ببناء الدولة لمدرسة من 9 فصول في القرية الجديدة ،وتشييد مركز صحي ،وفتح سوق مكون من عنبرين كبيرين، وثلاثة أبنية أمنية، بالإضافة الى مسجد يسع 2000 مصلي.
ويَرَى" محمد" أنه ورغم ما تحقق من تمييز ايجابي لتجمعات "آدوابة" في بورات من خلال تقريب الخدمات من المواطنين ،الا أن المصالح الحكومية المعنية تقاعست عن الوفاء بالكثير من تعهداتها ،مثل فك العزلة و بناء السدود ،وتوفير الماء الصالح للشرب، واستصلاح أراضي المزارعين ،ودعم حملة الشهادات من أبناء الارقاء السابقين.
ولا يُخفي "محمد"انزعاجه من الاستغلال السياسي للعبيد السابقين في منطقة "بورات" من قبل زعماء قبليين ،مطالبا برفع اليد عنهم وتركهم يقررون مصيرهم بأيديهم لأن زمن التبعية قد ولَى، على حد تعبيره.
وغير بعيد من" بورات"، دَشنَ الوزيرُ الأول الموريتاني"يحي ولد حدمين" قبل أيام تجمعين سكنيين في كل من أمبود ومونغل لصالح شريحة العبيد السابقين أو"الحراطين"،كما يُطلق عليهم محليا.
ويَستبشِرُ "الناجي" بهذه التجمعات التي ستكون جاهزة في ظرف 12 شهرا ،ويعتبرها جاءت بعد تهميش" آدوبة" مونغل لعقود عديدة.
"الناجي"وهو وجيه تقليدي منحدر من شريحة العبيد السابقين، يروي ل"اصوات الكثبان" كيف تم تغييبهم من مشاريع الدولة سنين عديدة ،بسبب ما وصفه باحتكار الأسياد السابقين لتمثيلهم السياسي، معتبرا أنهم سيعملون من الآن فصاعدا على تمثيل أنفسهم بأنفسهم ، دون وصاية من أحد.
وتُقولُ الدولة ُالمُوريتانيةُ ان تنفيذ هذه التجمعات السكنية، يأتي في اطار تنفيذ استراتيجية شاملة لتجميع القرى ،بُغيةَ مركزة وعقلنة الخدمات وتقريبها من سكان الريف .
وتُؤكدُ "وكالة مكافحة ملفات الرق" أنها بصدد اطلاق المزيد من التجمعات السكانية للعبيد السابقين ،وذلك من خلال إيفاد بعثات من الخبراء إلى القرى والتجمعات السكنية في المناطق المستهدفة لإجراء دراسات فنية ميدانية، يتم من خلالها تقييم الاحتياجات الضرورية للمواطنين المعنيين بتدخلاتها في كل مناطق البلاد.
ويَعتبرُ الخَبيرُ الاجتماعي"الدو ولد احمدناه" أن تدخلات الدولة الاقتصادية في مجال مكافحة آثار الاسترقاق ليست كافية، محذرا من الجرح النفسي الغائر الناتج عن ممارسة العبودية التي ما زال المتضررون من الاسترقاق يعانون من ضغطها و تبعاتها داخل المجتمع، ويظهر ذلك جلياً حسب "ولد احمدناه"في تعاطي الشرائح الاجتماعية الأخرى معهم و نظرتهم الدونية إليهم، حيث لا يحظون بالاحترام والتقدير الكافي كباقي الطبقات الأخرى فضلاً عن حرمانهم في بعض الأحيان من حقوقهم المشروعة في التملك والإرث .
و كان حِزبُ"تواصل"المعارض" قد حذر في وثيقة إطلعت عليها "أصوات الكثبان"من التداعيات السلبية لظاهرة العبودية في المجتمع الموريتاني خاصة منها المتعلق بالملكية العقارية؛ حيث ترفض بعض القرى والقبائل في بعض الأحيان مشاركة الأرقاء السابقين في تملك الأراضي بحجة أن "الأسياد" هم وحدهم من يحق لهم تملكها رغم أنهم قد لا يستثمرونها، و هي المعلومات التي تؤكدها تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث تم العثور على حالات كثيرة يجتهد فيها الأرقاء السابقين على استصلاح و زراعة أراضي خصبة لعشرات السنين و فجأة يأتي بعض الأسياد المتنـفذين ويصادرونها بأحكام قضائية على خلفية الإدعاء بملكيتها المسبقة.