وتسعى المرأة التي تشكل أكثر من 50 في المائة من المجتمع الموريتاني إلى الوصول إلى المساواة فى الحقوق والفرص، في كافة المجالات، سياسية وإدارية وقانونية واقتصادية واجتماعية، ولكن يبدو أن الطريق المؤدي إلى ذلك الهدف غير ممهدة ومليئة بعراقيل تفرضها التقاليد الاجتماعية في مجتمع محافظ .
الحضور النسوي فى المشهد السياسى .. تقبل أضحى واقعا
مع حلول كل ذكرى للعيد الدولي للمرأة الذي يصادف الـ8 من مارس، يكثر الحديث عن حقوق النساء الموريتانيات،وتنظر الناشطات المجتمعيات والمدافعات عن حقوق المرأة نظرة تقييم لما وصلن إليه وتحقق لهن.
ويأخذ الجانب السياسى نصيب الأسد من تلك النظرة وذلك التقييم، وتتحدث الأرقام فى هذا السياق عن سلة مكتسبات تحققت لهن خلال عشرية أو تزيد قليلا ، فأثناء المرحلة الانتقالية عام 2006 تم سَنُ قانون للنسبية يمنح النساء نسبة 20% فى البرلمان والمجالس المحلية ( البلديات) وتم تعزيز ذلك إثر الحوار السياسى في عام 2011 بالنص على أن تضم اللوائح المترشحة لتسيير البلديات (المجالس المحلية) فى المدن امرأة ثانية فى الترتيب إن لم تكن على رأس اللائحة.
كما استحدثت لائحة وطنية خاصة بالنساء فى الجمعية الوطنية (الغرفة العليا فى البرلمان)، وتمكن ذلك العنصر النسوى من تحقيق أرقام انتخابية هامة إذ وصل عدد النساء في الجمعية الوطنية إلى 31 نائبة، كما أن النساء يشكلن 35 في المائة من المجالس المحلية (البلديات) من بينهن عمدة " تفرغ زينة " أرقى مقاطعات العاصمة وأكبرها، إضافة إلى رئاسة مجموعة نواكشوط الحضرية (العمدة المركزي).
مع السياسة ... حضور إداري ووظيفي
بالإضافة إلى ما وصلن إليه من مكتسبات سياسية تشغل النساء الموريتانيات اليوم ثمانية مناصب حكومية، وهو رقم قياسى فى تاريخ الحكومات الموريتانية، كما تولت المرأة فى السنوات الخمس الماضية رئاسة الدبلوماسية الموريتانية لمرتين، في سابقة فى العالم العربى، كما شغلن عددا معتبرا من مناصب الأمناء العموم للوزارات ورئاسة مجالس إدارات المؤسسات العمومية.
وفى الجانب الوظيفى، وكتمييز إيجابى لصالحهن، تم فى العام 2013 اختيار 50 امرأة لولوج أسلاك الوظيفة العمومية عن طريق مسابقة أجرتها المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وقد دخلت المرأة لأول مرة سلك القضاء حيث توجد فى المحاكم الآن امرأتان تمارسان هذه المهنة، كما تم تعديل قانون التقاعد ليتم التساوي في سن التقاعد بين الجنسين عند عمر 60 بعد أن كان فى السابق 55 سنة بالنسبة للنساء، وبالإضافة إلى ذلك سُمح لذوى الموظفة المتوفاة بالحصول على تعويضات التقاعد كما الحال مع الموظف الرجل.
تثاقل فى المكتسبات .. وتباطؤ في التقبل
أما عن الجانب الاقتصادي، ما يزال الحضور دون المنتظر والمأمول بالنسبة للنساء الموريتانيات، فتعد سيدات الأعمال على أصابع اليد كما تقل المشاركة النسوية فى مجالات المقاولات وعالم المال والأعمال، ويندر الوجود النسوي فى هرم المؤسسات التجارية والشركات الخصوصية عل الرغم من المحاولات الخجولة لكسر الاحتكار الرجولى لهذا الجانب.
ومن أبرز مظاهر الضعف الاقتصادي للعنصر النسوي ماتعانيه المرأة الريفية وما تلاقيه من مصاعب تنموية، حيث مازال الفقر معششا فى المجتمعات النسائية فى القرى والأرياف ويقع على هؤلاء العبء الأكبر فى التربية والتنشئة بحكم غياب الرجال بحثا عن العمل.
اجتماعيا، تعانى النساء الموريتانيات فى صمت من ظاهرة الطلاق المنتشرة بكثرة فى المجتمع، إذ تنتهي نسبة 44 في المائة من حالات الزواج إلى الفشل والفراق بين الزوجين، حسب إحصاءات لبعض المنظمات غير الحكومية، بينما تبلغ النسبة 38.5 في المائة بحسب الأرقام الحكومية.
وتُعتبر المرأة المتضرر الأكثر من ظاهرة الطلاق، نظرا لتخلي نسبة كبيرة من الرجال عن واجبات الإعالة ودفع النفقة فتقع الضغوط على الأم. وشهدت السنوات الأخيرة ميلاد منظمات وروابط نسوية للدفاع عن حقوق معيلات الأسر والمطلقات وتبصيرهن بحقوقهن ،ورغم أن تلك المبادرات ساهمت فى التخفيف من وطأة الطلاق على النساء لكن تأثيرها مازال محدودا.
ولعل أبرز ماحققته جهود تلك الجمعيات، مع جهود أخرى، سن قانون أسري يضبط من الناحية القانونية، على الأقل، تنظيم الأسرة وترتيبات إجراءات الطلاق وما يترتب عليه.
وفي نهاية العام الماضي، تم سن قانون للنوع، اعتبره النشطاء الحقوقيون، قفزة نوعية فى مسار المساواة بين الجنسين، لكن القانون الجديد أثار ضجة واسعة فى الأوساط الشعبية بعد عرضه للنقاش والمصادقة فى البرلمان، واتهمت بعض مواده بمعارضة أحكام الشريعة الإسلامية ، فتم سحبه من قبل الحكومة للمراجعة من جديد.
الصحة الإنجابية هاجس يؤرق المرأة الموريتانية
ولا تزال أزمة تدهور الصحة الإنجابية خاصة في الريف من أكبر المشاكل التي تؤرق المرأة الموريتانية رغم الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة.
وتظهر آخر مؤشرات للمسح السكاني زيادة في نسبة وفيات الأمهات في موريتانيا وذلك بمعدل626 من كل مائة ألف ولادة سنويا.
وترجعُ منظمة الصحة العالمية، ارتفاع هذه النسبة إلى ظاهرة الولادة في المنزل بسبب قلة المستشفيات والنقاط الصحية ،حيث تتم الولادة غالبا على يد قابلات لم يتلقين تدريبا. بالإضافة الى أسباب أخرى، من بينها تأخر الاستشارات لدى المراكز الصحية، وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية ووعورة الطريق.
وللحد من ظاهرة وفيات الأمهات، أطلقت الحكومة الموريتانية قبل سنوات الأسبوع الوطني للصحة الإنجابية الذي ينظم سنويا في مختلف الولايات بالعديد من الأنشطة التحسيسية حول مخاطر الولادات، وما بعدها وسبل الوقاية منها، إضافة إلى الاستفادة من الخدمات في المراكز والنقاط الصحية.
تعتبر المرأة الموريتانية، بصفة عامة، أنها قطعت أشواطا معتبرة على طريق نيل حقوقها السياسية، وأضحى لها حضور فى المشهد الانتخابى وفى السلكين الإدراى والوظيفى، لكن الناشطات الحقوقيات والمجتمعيات يعتبرن أن مسار المساواة مازال طويلا وأن المرأة الموريتانية ما تزال في بدايته، وإن كانت على الطريق الصحيح.