هم يسيرون حفاة الأقدام. يرتدون ثيابا رثة ومتسخة. يجمعون مأكلهم ومشربهم في أوان قذرة. يفترشون الأرض؛ على قارعة الطرقات.
يتوزع أطفال الشوارع في كيفه إلى فئتين: أطفال من مالي بعث بهم ذووهم إلى مدرسي محاظر في مدينة كيفه، ومحليين فقدوا الرعاية لدى ذويهم.
الولد المالي موسى صدمته سيارة، السنة الماضية، على الطريق، وفر السائق بفعلته، وقد حمله أحد المارة إلى المستشفى. بعد إصابته بكسر في الذراع وإثر استقرار حالته بعد أربعة أيام من الحجز في المستشفى، حمله فاعل الخير إلى المحظرة التي يرتادها. والغريب في الأمر أن مرابطه لم يلاحظ تغيبه، بسبب كثرة أطفال الشارع لديه.
طفل آخر قال إنه يدعى مامادو، وإنه قادم من مالي. طلب منا أن نعطيه 100 أوقية لشراء الطعام؛ حيث إنه، وفقا له، لم يتعش الليلة الفائتة. بيد أنه ولى هاربا خوفا من آلة التصوير والتسجيل.
طفل مالي آخر يسمى بوكار صار بانقو. اتصلنا هاتفيا بوالده القاطن في مدينة خاي المالية، وسألناه عن آخر ما سمعه من أخبار ولده. فأجاب بتشنج: "لقد أودعت ولدي لمعلم المحظرة لحفظ القرآن، وهو أمر جيد ولمصلحته هو. وأعتقد أنني المسؤول الوحيد عن اتخاذ القرارات المتعلقة بولدي".
ويرفض أساتذة المحاظر التي يرتادها أطفال الشارع هؤلاء التحدث إلينا. ولكنهم يصرون على أن ما يستجديه الأطفال في الشارع هو ما ينفقون منه على دراستهم ومهمتهم المتمثلة في طلب العلم.
وقد بات موضوع أطفال شوارع كيفه واحدا من أكبر الظواهر الاجتماعية بهذه المدينة، ومحل اهتمام المنظمات والخبراء الاجتماعيين فيها. فبحسب إحصائيات قام بها قطاع الشؤون الاجتماعية سنة 2014، فإن عدد هؤلاء في مقاطعة كيفه يتراوح بين 1000 و1300. كما تفيد نفس الأرقام أن 80% منهم قدموا من مالي وأن جل النسبة المتبقية (20%) قدموا من القرى المجاورة لكيفه.
وتذكر المنسقة الجهوية للشؤون الاجتماعية بكيفه صفية بنت هاشم، نماذج من الإهانات والاعتداءات المعنوية والجسدية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال. وتقول إنها سجلت خلال الشهرين الأولين من السنة الجارية 9 حالات من هذه الاعتداءات. ووفقا لها، فقد تعرض اثنان من هؤلاء الأطفال لحادث سير؛ أحدهما قادم من مالي، والثاني من الولاية، وتحديدا من مدينة كنكوصة. وقد أصيب الطفلان بكسور متفاوتة الشدة، وتمت معالجتهما على نفقة المنسقية، بما في ذلك الأيام التي أمضاها أحدهما محجوزا في المستشفى. ولم تنجح المنسقية في الاتصال بذويهما.
وتقترح المنسقة أن يقوم تنسيق بين الدولتين الموريتانية والمالية، بحيث "تقوم الأخيرة بضبط مئات الأطفال الذين يتدفقون بشكل شبه يومي إلى مدينة كيفه بحجة التعلم؛ فيصبحون متسكعين في الشوارع".
وأعربت المنسقة عن قلقها من وجود مئات الأطفال في الشوارع دون حماية، مشددة على أن ذلك يتعارض مع روح القانون ومع الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل، مشيدة بإنشاء قطاعها لمركز للحماية بالتعاون مع اليونيسيف، تم فيه دمج العشرات من هؤلاء الأطفال وتم التكفل بنفقتهم وتعليمهم وتأهيلهم.
بدورها أكدت رقية بنت سيدينا، رئيسة شبكة الطفولة الصغرى، أنه "لا بد من وضع استراتيجية لضبط وتأهيل هؤلاء الأطفال المنحرفين الذين أصبحوا يرتكبون مختلف الجرائم كالسرقة، وباتوا عنيفين وعرضة لكل أنواع الجريمة". وأضافت أن ذلك يجب أن ينطلق من معالجة الفقر لدى ذويهم، سواء في موريتانيا أو مالي.
وروت رئيسة الشبكة كيف أن أحد هؤلاء الأطفال دخل في شجار مع زميل له أصابه فيه إصابة حادة. وتم نقله إلى المستشفى الذي قضى فيه ثلاثة أيام في رعاية جيران المحظرة التي يدرس فيها. ووفقا لها فإن أيا من "شيخ المحظرة وذوي الطفل لم يجدوا داعيا لزيارة الطفل المصاب، للاطمئنان على صحته على الأقل".
وتشرف منت سيدينا على عدد من حدائق الأطفال بالتعاون مع الرؤية العالمية (وورلد فيزيون). وتقول إنها حاولت، لعدة مرات، القيام بإجراءات من شأنها أن توفر للأطفال جوا عائليا طبيعيا، لكنها فشلت في ذلك "نظرا لتفضيل الأطفال حياة الشارع الذي يتمتعون فيه بحرية الحركة والتسول، لاسيما وأن أكثريتهم قادمة من مالي" كما تقول.
ويقول سيد المختار ولد أحمد الهادي، رئيس المنسقية الوطنية لمنتدى المجتمع المدني في لعصابه (CONFESCA)، "إن هؤلاء الأطفال يشكلون مظهرا مسيئا للمدينة وللمجتمع (وإن) الدين والقانون يجرمان ما يتعرضون له من إهمال".
وبين مطرقة استقالة الدولتين، موريتانيا ومالي، وسندان عجز المنظمات الوطنية والدولية، يتزاحم مئات الأطفال في شوارع كيفه دون أي رعاية أو مرجعية. وهو ما يجعلهم عرضة لكل الأخطار. لاسيما خطر اكتتابهم من قبل العصابات وشبكات الجريمة المنظمة.