قضى ابراهيم أزيد من أربعين عاما وهو يعمل في شركة موريتانيا للصناعة والمناجم اسنيم. خلال هذه السنوات ناضل ويسات من أجل عمله و عائلته و هو اليوم يحضر لمغادرة مناجم اسنيم في ظل مستقبل مجهول حسب قول العميد ابراهيم كما يلقبه العمال أو أب العمال كما يلقبه آخرون ممن تعلموا على يديه كيفية تحويل الحجارة إلى خامات الحديد.
إلتقينا العميد ابراهيم أمام منجم "تزاديت" ليروي لنا كيف استطاعوا تحويل مناجم الحديد إلى ثروة تعتمد عليها موريتانيا بالدرجة الأولى في الدخل القومي العام لها.
كانت بداية ابراهيم مع اسنيم في العام 1973لحظة قدومه من مدينة أطار حيث كان يدرس في الثانوية رفقة مجموعة من الشباب المتأثرين بفكر حركة "الكادحين" الموريتانيين. لم يكن التحاقهم عبثا حيث يقول ويسات " كان الأساس من التحاقنا بالشركة هو التأميم الذي كانت تقتضيه المرحلة. تعرضنا للضرب والقمع والتنكيل والسجن وكانت الشعارات على الجدران أبرز وسائل التوعية بضرورة التغيير" .
براتب 8أواق موريتانية بدأ ابراهيم العمل في شركة اسنيم في 18فبراير 1974وكان يحمل درجة أس 5 وهي أدنى درجة يحصل عليها العمال في الشركة". تم تأميم المناجم في نفس العام وهو ما اعتبره العميد ورفاقه آنذاك بمثابة تحقيق الحلم الذي جاؤوا من أجله من مدينة أطار. يقول ويسات : " بقينا صامدين في المناجم تلك السنوات – سنوات ما بعد التأميم- خصوصا وأنها كانت سنوات مليئة بالأزمات إلا أننا بقينا نعمل خصوصا وأننا اعتبرنا مناجم الحديد بيتنا الثاني ,كنا نقضي جل أوقاتنا فيها نعمل بعيدا عن عائلاتنا التي كانت تقطن في مدينة ازويرات .
شارك ابراهيم في دورات تكوينية في الجزائر وفرنسا أبعدته لأول مرة عن الأهل والأرض إلا أنه كان دائما متعلقا بتلك الحياة داخل المنجم ليعود بعد ذلك مع اكتساب المزيد من الخبرة في مجال العمل مكنته من الاستمرار حتى الآن..
في العام 1992 كان العميد على موعد مع أولى أزماته حيث تم تشخيص مرض السيليكوز الخطير لديه من قبل الأطباء الموريتانيين إذ تتواجد في جسمه بنسبة 30% ,نصحه الأطباء حينها بالابتعاد عن المناجم قليلا لأن المرض قد يودي بحياته في أية لحظة , لكن حب الرجل للعمل بالقرب من المناجم منعه من مغادرتها بشكل كلي و انتقل من المناجم إلى قسم معدات السيارات والشاحنات واستفاد من خبرة الأمريكيين الذين كونوه على الآليات.
بعد ثماني سنين من العمل بعيدا عن المنجم عاد العميد ابراهيم إلى المنجم من جديد هذه المرة بأمر من إدارة الشركة وذلك على خلفية نشاطه السياسي المعارض للنظام. تم نقل ويسات إلى منجم "لمهودات" رغم التقرير الطبي الذي يمنعنه من الاقتراب من المعادن , وتم تعيينه في المنجم على فرقة الاستخراج, وهو ما يعتبره العميد عقابا دام3 سنين.
استمر العقاب بعد ذلك بنقله إلى مناجم "قلب الغين 1" وانواذيبو . كانت لتلك المعاملات القاسية من قبل إدارات الشركة إيجابية بأن كسب العميد الكثير من الخبرات وبات بإمكانه إنجاز أي عمل يقوم به أي عامل في الشركة وهو ما يشهد به رفاق العمل , الذين يشهدون له بالتفاني في العمل والاجتهاد.
و في سنة 2013 كان العميد على موعد مع أزمته الثانية الكبرى وذلك حين غادرت زوجته ورفيقة حياته عالمنا بعد صراع مرير مع مرض السرطان , تلقت العلاج فترة طويلة في المغرب لتعود بعدها ومن ثم تغادر هذه الحياة. هذه الأزمة لم ينساها ابراهيم ومازال يتذكرها بحرقة وألم خصوصا وأن زوجته كانت شاهدة على فترات حياته وجابهت معه الصعاب حتى آخر فترات حياتها.
بعد أزيد من أربعين سنة لايملك ابراهيم سوى منزلا وحيدا بدأ في تشييده سنة 1987 بعد أن قامت الشركة آنذاك بطرد عدد من العمال من المنازل إبان إطلاق منجم "قلب الغين" حيث قامت بتقليص عدد العمال ورمت العمال المفصولين رفقة أسرهم في الشارع.
يقول ابراهيم " في تلك اللحظة بدأنا في التفكير في أنفسنا وأسرنا وأبنائنا فكان لابد لنا من بناء منازل خاصة نأوي إليها ساعة يتم طرنا على غرار رفاق الدرب الذين تمت تصفية الحسابات مع بعضهم خصوصا وأن منهم كبار السن"
رغم كل هذه الحياة المليئة بالعمل الجاد إلا أن ابراهيم يعتبر أكبر مكسب له هو أنه ساهم في بناء وطنه وتربية أبنائه تربية سليمة , أكملوا تعليمهم وأصبح بعضهم الآن عمالا في المنجم وهو فخور بهذا رغم عدم رضاه عن عملهم في المناجم كما أن فخره الأكبر كان في تكوينه لعمال باتوا اليوم من أكبر أطر الشركة وهم يعترفون له بالفضل في وضعهم الحالي.