في حي" أكرا "الذي أخذ تسميته من كثرة المهاجرين الأفارقة بصفة عامة والغانيين بصفة خاصة، توجد عشرات المرشحات للهجرة السرية الى اوروبا من رفيقات " كيتا" اللاتي قادتهن ظروفهن المتشابهة الى هذا الحي الذي يعتبر أكبر معقل للمهاجرين الأفارقة في موريتانيا .
"كيتا" التي اقتنعت بعد مفاوضات طويلة بالحديث معنا، مقابل بطاقة رصيد هاتفي، بقيمة الفي اوقية (6 دولار آمريكي ) ،وهو الثمن المتعارف عليه هنا في هذا الحي لممارسة الجنس مع المهاجرات، تحدثت لـ"أصوات الكثبان" بصوت مخنوق عن معاناتها منذ أن قررت مغادرة بلدها عام 2014، باتجاه الجنة الموعودة كما يحلو لها تسميةَ القارة العجوز.
تقول "كيتا" انها كانت تعمل خادمة للمنازل في بلدها الأصلي في جو آمن رغم حياة البؤس الّتي تطبعه، وما إن جمعت 700 دولارا حتّى قرّرت الالتحاق بصديقتها "ناني " التي أخبرتها عبر "الواتساب" أنها وصلت الى اسبانيا عن طريق موريتانيا .
تضيف كيتا : حزمتُ أمتعتي وعلى خطى صديقتي سلكت الطريق .... ولكنّ السفر الى" اوروبا" لم يكن بتلك السهولة، فهو لم يكن مجرد نزهة.
بدأت الطّريق برحلة دامت 4 أيام ،وصلت إثرها الى دولة "بوركينا فاسو" المجاورة ثمّ دخلت الاراضي المالية عن طريق سماسرة تهريب واتّجهت إلى الحدود الشرقية لموريتانيا.
أثناء الرحلة تعرضت للتحرش الجنسي ومارست الجنس عديد المرّات تحت التهديد مع المهربين، كما مارسته أحيانا أخرى مقابل خدمات كالإقامة والتنقل. وتمكّنت إثر ذلك من الوصول الى عمق الاراضي الموريتانية بعد أن تحصلت في "مالي "على وثيقة لاجئة أزوادية مزورة مقابل( 100 دولارا)، وهي الوثيقة التي مكنتني من دخول مخيم "امبره " للاجئين على الحدود الموريتانية المالية.
وتضيف "كيتا" قائلة لـ"أصوات الكثبان" : "لم يكن من السّهل الوصول الى العاصمة نواكشوط التي تبعد عن المخيم 1000 كلمترا ، خاصة لامرأة مثلي لا تمتلك سوى جسدها لتقديمه ". ولكنّ وجودها بمعية رفيقات لها من جنسيات افريقية سهّل عليها الأمر. كنّ مجموعة تعرفت عليهن في المخيم فقدّمن لها المساعدة، حيث وصلن الى "انواكشوط" ،بعد رحلة كانت أكثر راحة من سابقاتها ليقررن بعد ذلك الاقامة في حي "ليبلاك" بمقاطعة السبخة ،حيث يغيب القانون وتنتشر ثقافة المخدرات والجنس والليالي الحمراء.
في هذا الحي الذي تقطنه غالبية من المهاجرين الذي يعملون بأجر يومي ، تلجأ الافريقيات في الحي إلى الدعارة الصريحة ، في حين تقول "كيتا" انها وبعض رفيقاتها لجأن أثناء مكوثهن في الحي قبل أشهر إلى ما يسمى بـ"الجنس من أجل البقاء" ومارسن بشكل متقطع علاقات جنسية مع رجال كانوا يؤمنون لهن المأكل والإقامة ووعود سخية بتسهيل رحلة اللجوء التي تعتبر مدينة نواذيبو آخر نقاطها على الاراضي الموريتانية.
وبعد أشهر من المكوث في العاصمة نواكشوط، قررت "كيتا" التحرك شمالا باتجاه نواذيبو، حيث وصلت الى" أكرا الجديدة" ،اسم تقول عنه انه ظل حتى عهد قريب يرتبط في وجدانها بالدفء وحنان العائلة ،غير أن" أكرا " نواذيبو جحيم لا يطاق .
"كيتا" التي تقيمُ في هذا الحي منذ نهاية العام2015، أكدت لنا أنها في انتظار جمع مبلغ 2000 دولار ،وهو السعر الذي حدده المهرب الذي سيتولى نقلها عبر قوارب الموت باتجاه اسبانيا.
وفي انتظار تلك اللحظة تقول "كيتا" انها بدأت تعمل كخادمة في أحد المنازل في النهار ،لتعود في المساء الى حياة "اكرا" وتتنهد طويلا وتقول .... آهٍ وما أدراك ما "أكرا" .
ورغم جحيم المعاناة تقول "كيتا" انها في انتظار بزوغ فجر جديد ،تستيقظ فيه وقد حققت حلما طالما راودها ،رغم ضريبته التي ستكون باهظة الثمن على ما يبدو.
ولاشك أن"كيتا" ليست سوى مثالا حيا لمعاناة عشرات وربما مئات الافريقيات اللاتي قررن خوض غمار الهجرة عبر دروب صحراوية ،رغم مشاقها الجمة.
فظروف مثل أجواء الحرب و الفقر والحرمان، تدفع بآلاف الأفارقة سنويا من كلا الجنسين الى الهجرة نحو أوروبا ،عبر متاهات الصحراء ،والقليل منهم يعبر نحو الضفة الاخرى بسلام.