فأثناء شحن أو تفريغ كل حاوية يُكابد عمال الشحن والتفريغ داخل الميناء المعروفون محليا بــ "الحمالة" الصعوبات البدنية والأثقال وينهمرُ عرقهم بسخاء مسطرين طريقا للكدح الشريف بعصامية يأملون أن يجدوا جزاءً ولو يسيرا عليها، فحقوقهم حتى اللحظة منهوبة وأرزاقهم مهددة ناهيك عن تردي وضعيتهم يوما بعد آخر، مما حذا بهم إلى تنظيم سلسلة إضرابات واحتجاجات.
هذا هو الواقع داخل ميناء الصداقة أكبر الموانئ الموريتانية بعيون من التقيناهم من قيادات وممثلي الحمالين.
يقول الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا عبد الله ولد محمد الملقب"النهاه" : اعتمد الميناء منذ تشييده خلال ستينيات القرن الماضي على حمالين تابعين لشركات تعمل في الشحن البحري وخلال عام 1972 قررت شركات الشحن البحري إنشاء رابطة تسمى " مكتب تشغيل اليد العاملة المينائية" وذلك من أجل تشغيل حمالين من عمال الشحن المهنيين بطريقة دائمة ،كما تم خلال نفس الفترة استحداث لائحة للعمال من الحمالة المهنيين تضم حاليا 5660 حمال ، وذلك لتنظيم إجراءات مزاولة عمل الحمالين ، على أن تجرى لهذه اللائحة مراجعة سنوية دقيقة وشفافة ، لكن للأسف ومنذ الثمانينيات لم تجرى مراجعة سنوية للائحة والتي تقوم بها أصلا مفتشية الشغل بالتعاون مع رابطة مكتب تشغيل اليد العاملة المينائية وأصبحت تسود اللائحة معايير المحسوبية والوساطة والزبونية مما تسبب في فوضوية معايير التشغيل داخل الميناء واستفادة بعض الحمالة على حساب البعض الآخر وما نتج عن ذلك من إحباط وتذمر في صفوف الحمالين ليستمر الحال على ما هو عليه في ظل احتجاجات قام بها الحمالون سنة 1979 إلى أن تم توقيع اتفاق يقضي بتوفير التأمين والنقل للحمالين مقابل خصم 20 أوقية من كل طن يتم تفريغه أو شحنه لكن تنفيذ هذا الاتفاق لم يتم وفق ما خطط له وظل حبرا على ورق وظلت الرابطة تخصم من الحمالين المبلغ المذكور دون توفير نقل ولا تأمين في عملية يقف وراءها مسؤولو الرابطة التي أنشئت في البدء لمساعدة العمال لكنها تحولت لاحقا إلى أداة مسلطة على الحمالين تضم كبريات الشركات المُشغلة وليس لديها حساب مصرفي مُحدد والأموال الطائلة التي تخصمها من الحمالة )مليار و 200 مليون أوقية حسب آخر التقديرات( لا يعرف لها سبيل وتستخدم لتعزيز قبضة السلطات وسلبها لحقوق الحمالة".
و يضيف الأمين العام للكونفدرالية "خلال عامي 2002 و 2004 قام الحمالة بتنظيم إضرابات واحتجاجات تطالب بتحسين ظروفهم وتوفير خدمات النقل والتأمين الصحي وضبط لائحة التشغيل الخاصة بالحمالة وزيادة الأجر المادي الذي يتقاضاه الحمال مقابل التفريغ والشحن لكن الدرك الموريتاني دخل على الخط ولم تقتصر مهامه على توفير الأمن بل أصبح يدير القضية بطريقة استخباراتية عسكرية بحتة حتى حل عام 2013 وتحديدا شهر مايو وفي ظل تجدد نفس المطالب و تزايد تردي أوضاع الحمالين داخل الميناء نظم الحمالون وقفة أمام القصر الرئاسي في نواكشوط قمعتها قوات الأمن بضراوة تبعها إضراب عن العمل نظمه الحمالون لتدخل السلطات في مفاوضات جديدة مع الحمالين تم على إثرها التوقيع على اتفاق يقضي بتوفير تأمين صحي لجميع الحمالين المسجلين على لائحة الحمالين المهنيين بعدها مباشرة تفاجأ الحمالة بخطوة تصعيدية جديدة من قبل التجار المشغلين النافذين حين قرروا نقل الحاويات القادمة إلى موريتانيا عبر الميناء إلى وسط العاصمة دون تفريغ داخل الميناء ليتم تفريغ الحاويات لاحقا من قبل عمال أجانب بسعر أقل مما أغضب الحمالة المحليين وجعلهم يعيشون بطالة إجبارية تركت أسرهم تحت رحمة الجوع واستمر هذا الحال المزري على ما هو عليه حتى وُقع اتفاق مجحف عام 2014 خدم التجار النافذين أكثر من الحمالة حيث نص على تفريغ الحاويات التي تحمل سلعا غير مهمة فقط داخل الميناء ونقل الحاويات الأخرى إلى وسط المدينة لتفريغها بعيدا عن الحمالة المحليين مما اعتبره الحمالة سياسة تجويع ممنهجة أدت لإضراب جديد خلال العام الجاري حين قررت مجموعة من الحمالة المنضوين ضمن الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا أن تسلم إشعارا للإدارة بعزمها تنظيم إضراب انطلق فعليًا يوم الاثنين الرابع من شهر إبريل رغم تخاذل البعض وبيعه لعرق الحمالين وقضيتهم وسط وعود واهية وموسمية تطلقها من حين لآخر إدارة الميناء لثني العمال عن الاحتجاج و إخضاعهم لمصالحها كما تم استدعاء قوات الدرك لقمعنا قمعا شديدا توفي خلاله أحد زملائنا داخل الميناء والإدارة حتى الآن ترفض التفاوض معنا وتغلق جميع الأبواب في وجوهنا ما عدا أبواب الكذب والقمع."
الحمال سيدنا ولد محمدو وهو نقابي سٌجن خلال إحدى الوقفات الاحتجاجية للحمالة يروي الواقع من زاوية أخرى قائلا:" لدينا مشاكل عالقة منذ سنوات تتصدرها عملية تفريغ الحاويات خارج الميناء مما يحرمنا من فرصة عمل نجني من خلالها أجورنا التي نُعيل بها أسرنا الفقيرة وأطفالنا..الأوضاع هنا مزرية جدًا وأغلب الحمالين في الميناء يتقاضون في ظل الظروف المتردية الراهنة أجرا زهيدا قد لا يتجاوز 4500 أوقية )13 دولار( شهريا ..قُوتُنا اليومي مهدد وأُسرُنا في خطر ولعلاج هذا الواقع اتصلنا بجميع الأطراف من سلطات وتجار دون تجاوب فلم نجد بديلا لانتزاع حقوقنا سوى الإضراب الذي تقمعه قوات الدرك بوحشية وتمنع وسائل الإعلام المحلية والدولية من نقل حقيقة أوضاعنا..إضرابنا سلمي وحاول الجميع تسييسه والالتفاف على مطالبنا لكن سنواصل نضالنا ضد التجويع والظلم وقطع الأرزاق..خلال اليوم الثاني من الإضراب الأخير حاول الدرك إخراجنا من قاعة كنا نتجمهر داخلها ونحضر للاعتصام وكانت أعدادنا ما بين 1500 و 2000 حمال وكان قرب القاعة مسجد ففاجئنا عناصر الدرك الموريتاني بالضرب العنيف و مسيلات الدموع مما تسبب في ازدحام شديد توفي على إثره أحد الحمالة يدعى المختار ولد اعوينني قرب المسجد قبل أن يتم اعتقال 5 من الحمالة مدة 30 ساعة تعرضوا خلالها للمعاملة السيئة..نحن سنستمر في النضال لأننا نريد فقط أن نأكل ونعيش ونعمل بعيدا عن التجويع و الإقصاء و البطالة والتلاعب بحقوقنا من قبل زُمرة من التجار النافذين".
يقول الحمال والنقابي ايسلمو ولد عبدالله حول الأزمة المتجددة:" مشكلة الحمالة معقدة و تتفاقم في الآونة الأخيرة فحركة الحاويات في الميناء هي الأهم حيث يتم يوميا إفراغ ما يناهز 80 حاوية يوميا ويستفيد منها بشكل يومي ما يقارب 2000 إلى 2500 عامل ، كما يعول عليها آلاف الحمالة الموريتانيين لتأمين فرص عمل يعيلون بها أسرهم الفقيرة لكنهم يصدمون منذ عقود برجال الأعمال النافذين المقربين من السلطة والذين يُديرون كبريات شركات الشحن البحري، وهذا ما يدفع ثمنه الحمالة البسطاء ..ظروف الحمالين داخل الميناء مزرية وقد تراجع عدد الحاويات التي يسمح بتفريغها من قبلنا داخل الميناء مما قطع رزق الكثير من الحمالة الذين يتعرضون للإهانة والقمع من قبل إدارات وأنظمة متعاقبة ..إضرابنا الحالي جاء عفويا وسلميا بعد أن أملته الضرورة فالحمالة ليس لديهم ما يخسرونه و الأوضاع تنذر بالانفجار ونحن مازلنا نتمسك بالاحتجاج السلمي سبيلا لرفع الظلم المسلط علينا ."
ويضيف " الأوضاع تتدهور وسياسة استقطاب قياديي الحمالين المحتجين تتواصل من قبل الإدارة.. بعض الحمالة يمضون أكثر من 3 أسابيع متتالية دون الحصول على أجر ولا فرصة للعمل في التفريغ أو الشحن ، كما تقوم إدارة الميناء بشراء ذمم بعض القياديين والنقابيين الذين كانوا يتزعمون الحمالة في حراكهم المطالب بحقوقهم و تحسين أوضاعهم داخل الميناء وسلطتهم على الحمالة كورقة ضغط."