و على الرغم من الصدمة الكبيرة التي تسببت فيها المجموعة الارهابية التي قادها مختار بلمختار عدد صغير جدا خير الرحيل. هل هو تهور؟ هل يغلب طعم الخطر الاحساس بالخوف؟ تجيب الفرنسية نور ياسمين : "لا هذا ولا ذاك". نور هي من أصل مغاربي تعمل كمشرفة في شركة تموين مقرها في حاسي مسعود، وهي بلدة في ولاية ورقلة الواقعة على بعد 800 كيلومتر جنوب شرق الجزائر. يوجد في هذه المدينة واحد من أكبر حقول النفط في الجزائر. حتما العمالة الأجنبية توجد هناك بشكل كبير جدا ومتنوع.
تبلغ نور أصيلة مدينة ليل الفرنسية الثلاثين من عمرها و هي تعلم جيدا ما تقول. وعلى الرغم من صغر سنها فهي قد عملت في جميع أنحاء العالم. و تعرضت الى الخطر في العديد من المرات. نور ياسمين مختصة في الصحة والسلامة، وهي تعتبر أن الهجوم على تيقنتورين تسبب في زلزال للمغتربين. تقول محدثتنا : "عندما وقعت المأساة، لم يفكر الكثيرون إلا في الفرار من البلاد. البعض منهم أخذوا عطلا طويلة. ولكن بعد فترة عاد الجميع إلى عملهم ". من جهتها تقول نور ياسمين أنها لم تفكر أبدا في مغادرة البلاد. وتضيف : "عندما نوافق على العمل في بلد أجنبي يجب أن نفكر في المخاطر التي يمكن أن تعترضنا ولكن بالتجربة استطيع ان اقول ان الجزائر ليست أبدا من البلدان الخطيرة أو الصعبة. بالمقارنة مع المخاطر التي يتعرض لها العمال الأجانب في العراق، وآسيا الوسطى وبعض البلدان الأفريقية، يمكن أن نعتبر الجزائر بلدا هادئا " و أوضخت نور أن المواقع التي يعيش فيها أو يشتغل فيها الأجانب مرت منذ نهاية يناير 2013 من مناطق "آمنة" إلى " آمنة جدا" .ولكن العديد من العمال يختلطون بسهولة بالسكان وحادثة تيقنتورين لم تمنع أجانب جدد من خوض تجارب مهنية في الجزائر ... بما في ذلك في الجنوب.
ما تقوله نور ياسمين ليس مجرد استنتاج بل هو حقيقة مدعومة باثباتات حيث أبرزت دراسة حديثة أجراها محمد الصايب موزات وهو مختص في علم الاجتماع في مركز البحوث الاقتصادية التطبيقية في جزائر العاصمة ان استيراد اليد العاملة، وتركيز الشركات الأجنبية وتحسن الوضع الأمني مكنوا من تضاعف عدد الرعايا الأجانب في الجزائر. وقد ارتفع عدد السكان الأجانب في الجزائر من 113،000 شخص في عام 1998 إلى نحو 400،000 في عام 2014. ولكن بطبيعة الحال، لا يعيش الجميع في جنوب الجزائر.
جون هو مواطن أمريكي من التكساس، وهو مدير مركز البحوث في الشمال. هو ليس مستقرا في جنوب الجزائر ولكنه يضطر بحكم عمله الى التنقل الى هناك في كثير من الأحيان لإلقاء محاضرات في جامعات المدن الصحراوية. جون مولع أيضا باكتشاف الأماكن الجديدة فهو يكرس وقت فراغه لذلك و هو لا يكترث أبدا لكل ما يقال أو يكتب عن خطر الإرهاب في الجزائر. جون يزور كل المناطق بدون استثناء بما في ذلك المناطق النائية. يقول محدثنا : "صحيح أنه من حيث النقل ورعاية الأطفال أو الخدمات يوجد العديد من النقائص. ليس من السهل بالنسبة لاحد عاش سابقا في بلدان غربية أن يعيش هنا . ولكن بالرغم من ذلك فانا لم أشعر أبدا بالخطر في مناطق الجنوب وعلى العكس من ذلك فان الناس هنا مضيافون و كرماء "،و مع ذلك يوصي جون بتوقي الحذر و عدم المجازفة، مع أنه يعتقد أن الحياة في الجزائر لم تعد مثل سنوات التسعين. و من جهتها يبدو أن السفيرة الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر تشاطر رأي جون فهي قد دعت مؤخرا مواطني أمريكا لزيارة و اكتشاف الجزائر.
و من ناحيته لم تثن الرياح المتربة التي تغزو طوال السنة شوارع بشار، و هي من أكبر مدن جنوب غرب الجزائر التي تقع في 1150 كم من العاصمة ، السيد هارفي و هو صاحب شركة منذ 7 سنوات على العيش في المنطقة. كل صباح يتجه هارفي منذ 7 صباحا إلى مصنعه لتشغيل الآلات. يقول محدثنا : "ماذا تريد ني أن أقول لك، ان المنافسة أصبحت شرسة و لذلك يجب علينا الاجتهاد أكثر لكسب العيش. ولكن أنا لا أشكو فالعمل موجود بوفرة في الجزائر ". يبلغ هارفي من العمر خمسين عاما وهو لم يكن يتصور أبدا قبل 15 عاما أنه سيستقر يوما في الجزائر. ويضيف "لن أخفي عنكم فقد وقعت في حب هذا البلد الجميل عن طريق الصدفة عندما دعاني صديق جزائري يسكن جواري في مرسيليا في عام 2005 لقضاء ليلة رأس السنة في تاغيت، و منذ ذلك الحين قررت أن أستقر هنا و أن أنقل بعض نشاطاتي الى هذا البلد ". وردا على سؤال عما إذا كانت الحياة صعبة في بشار، قاطعنا هارفي مباشرة ليقول : "صحيح أنه ليس دائما من السهل الاستشمار في هذا البلد. فالبيروقراطية غالبا ما تشل العديد من الانشطة لكن الحياة نفسها ليست سيئة حتى لوأنه من الممكن تحسين أشياء كثيرة خاصة في الجنوب. فالناس هنا بسطاء ولا يقبلونك لمالك فقط وهذا ما أحبه فيهم "، ويوضح هيرفي أن المخاطرليست الا مجرد مكتوب.