محمد هو أحد أصيلي هذه المنطقة. يبلغ من العمر 41 سنة و يشكو من فقدان جزئي للبصر. لم يكن مولودا في تلك الفترة لكن آثار التجارب النووية اخترقت جيناته. قال لنا محمد أن الأطباء مقتنعون أن تدهور حالته الصحية ناتج عن التفجيرات. و أضاف أن هنالك العديد من الأشخاص يعانون مثله من أمراض عقلية و سرطانية. و هناك أيضا أطفال يولدون بتشوهات خلقية.
و حسب بعض المسنين فان النخيل تأثر أيضا بهذه الأحداث حيث لم يعد يثمر تمرا منذ أن قام الفرنسيون بهذه التفجيرات.
ويبدو عبد الرحمان هو الآخر مقتنعا بأن هذه التجارب النووية هي التي تسببت في مرض ثلاثة من أفراد عائلته بالسرطان. آباء و أجداد هؤلاء كانوا يعيشون على مقربة من الموقع المذكور. و كانوا يتوقعون أنها نهاية العالم. و لكنها كانت بداية الجحيم و المعاناة. الفرنسيون لم يتخذوا في ذلك الوقت التدابير الاحتياطية اللازمة و لم يقوموا بإخلاء المدن. فهم لم يقدّروا حجم الأضرار التي يمكن أن تنجر عن هذه التجارب التي تبدو آثارها واضحة إلى الآن في بعض الأماكن. فنجد بين الرمال التي تكسو هذه المنطقة الواقعة في شمال صحراء تانزروفت خوذات الجنود و براميل النفط و قطع من المعدن و الحديد يبيعها البعض و يجعلون منها موردا لرزقهم في هذه المنطقة الفقيرة. كما وجد سكان منطقة رقان أقفاص حيوانات استعملت لإجراء التجارب.
كانت هذه الأماكن شبه قاحلة في تلك الفترة مما شجع الفرنسيين على إجراء التجارب النووية فيها للالتحاق بركب البلدان ذات القوة النووية. فقد قاموا حينها ببعث مركز الصحراء للتجارب العسكرية. ما لا يقل عن 6500 فرنسيا و 3500 جزائريا وقع تجنيدهم لإنشاء قاعدة عسكرية كان من المفترض أن تضم القادة العسكريين و الخبراء. تم حينها إجراء أربع تجارب نووية. سُميت الأولى "جربواز بلو" و كانت حسب الخبراء بمثابة أربع مرات قنبلة هيروشيما في اليابان. و لا يزال الضحايا المتضررون بصفة مباشرة أو غير مباشرة يدفعون ثمن هذه التجارب النووية التي قضت على كامل المنطقة.
وهم ضحايا دخلوا طي النسيان حيث أنهم لا يحضون بأي رعاية لا فرنسية و لا جزائرية. من جهتها تواصل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان النضال منذ سنوات من أجل معرفة حقيقة ما حصل حتى يصبح من الممكن مجابهة تأثيرات التفجيرات خاصة منها البلوتونيوم الذي سيظل منتشرا في الهواء طيلة آلاف السنين القادمة.
و تعتبر رابطة حقوق الإنسان هذه التجارب جريمة في حق الإنسانية إلى حين أن يعترف بها المتسببون فيها و يقرروا جبر أضرار الضحايا. و بالرغم من إصدار قانون في فرنسا لتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية قي الخارج ومنها الجزائر فان سكان رقان لا يزالوا غير راضين على الوضع.
ومن جهته أفاد عبد الرحمان كسازي رئيس جمعية 13 فيفري 1960 من ولاية أدرار أن التعاطي مع هذا الملف لا يجب أن يقتصر على التعويض للضحايا بل يجب أن يشمل أيضا رد الاعتبار للمنطقة وإعادة تأهيلها بعد أن دُمرت على جميع المستويات. وتطالب الجمعية التي يترأسها كسازي بمعرفة كل الحقيقة حول الظروف التي أُجريت فيها هذه التجارب النووية التي تواصلت إلى سنة 1967 أي بعد 5 سنوات من الاستقلال في جويلية 1962.
و في المقابل تريد الجمعية الوطنية للصحة و الأبحاث التي يترأسها الأستاذ مصطفى خياطي أن تمول فرنسا مركزي استكشاف و تتعهد بتكوين الإطارات في منطقتي أدرار و تمنرسات. وتطالب أيضا الحكومة الفرنسية بالتعهد الطبي لكل المرضى. أما السلطات الجزائرية فهي لا تزال تلتزم الصمت.
وخلال زيارته إلى الجزائر في ديسمبر 2014 أعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف عن تشكيل لجنة مشتركة جزائرية فرنسية للنظر في ملف الضحايا حالة بحالة. وأشار الوزير أن القانون الذي وقعت المصادقة عليه في 2010 من قبل الحكومة ينص على مبدأ تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية.
و إن كانت هذه التعويضات سهلة المنال بالنسبة للضحايا الفرنسيين فان هذا المسار كان طويلا و مضنيا بالنسبة للمتضررين الجزائريين الذين بقوا على عين المكان.
و حسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان فان عدد الضحايا يصل إلى 30 ألف جزائري مقابل 300 فرنسي.