المناديل بدل الأكياس البلاستيكية
قبل خمسة عشر سنة، كان الأطفال القاصرون، الذين ألقى بهم في الشارع إفلاسُ المدرسة الجزائرية تحت مسؤولية الوزير السابق أبو بكر بن بوزيد، يتجولون في أسواق الفواكه والخضراوات لبيع أكياس بلاستيكية مقابل 1 دينار جزائري للكيس، أو يساعدون ربّات البيوت على حمل مشترياتهم و يعرضون كذلك سجائر للبيع في تقاطعات الأرصفة.
وحيث يقدّم التجار، اليوم، الأكياس البلاستيكية مجانا لحرفائهم، ورغم سعي الجزائر لتعزيز سياستها في مجال حماية الطفل من العمل ومن كل أشكال الاستغلال، فإن الأطفال الذين توقفوا عن الدراسة، وخاصة المنحدرين منهم من أوساط مهمشة أبدعوا في ابتكار طرق أخرى للاكتساب. فمنهم حراس السيارات بالقرب من الأسواق الصغيرة في الأحياء أو بجانب قصر المؤتمرات بوهران عندما يحتضن أحداثا معينة. ومنهم عاملون في المقاهي، في مجال غسل الصّحون أو تقديم الخدمات للزبائن. ومنهم من يجمعون المواد القابلة للتّحويل الصناعي، أو يبيعون الخردة البالية، ويعرضون الكعك المحلي الصنع، وكذلك من يوفرون الوجبات الخفيفة والمرطبات على تخوم الأحياء الكبيرة والطرق السريعة، حيث يعرضون كذلك علب العلكة أو مناديل السيارات عند تقاطع الطرق الكبيرة.
"أنا أبيع هنا المناديل كل يوم من الساعة 10 صباحا حتى الساعة 15 ظهرا، في انتظار تسجيلي في الدورة القادمة بمركز للتكوين المهني. وبما أن مستواي يتوقف عند مستوى السنة الرابعة من التعليم المتوسط، فإنني لا أتوقع الكثير" يصرح مبتسما محمد، 17 سنة، بائع مناديل بالقرب من محطة الحافلات كاستورس. "يقتسم" هذا الشاب، الذي يرتدي بذلة ركض رياضية سوداء ويسرّح شعره على طريقة رونالدو، الضوء الأحمر مع رفيقين اثنين: نور الدين، 20 سنة، عاطل عن العمل، وأسامة الذي يبدو أنه في طريق الٱنقطاع عن الدّراسة رغم أنّ سنّه لا تتجاوز 14 سنة.
أوساط محرومة
ينحدر الثلاثة من "الحاسي"، وهو حي شعبي يقع في ضواحي جنوب-غرب وهران معروف أيضا باحتضانه للمهاجرين من جنوب الصحراء، ويقولون إنه لا أوهام لديهم حول المدرسة وأثرها على مستقبلهم: "على غرار الكثيرين من أصدقائنا، نحن نبحث عن الصفقة الكبرى التي تخرجنا من الرواق !" يقول محمد، فيما يقترب منه أسامة حاملا بقايا سيجارة بين أصابعه وحاملا معه بحذر قدحا بلاستيكيا من القهوة السوداء...
أصدقاء هؤلاء الأطفال الذين يبيعون المناديل ، مثلهم، ، ينحدرن من الحاسي، ويعملون على بعد عشرات الأمتار إلى الأعلى منهم؛ نحو المحطة الجهوية للتلفزيون الجزائري، وإلى الأدنى منهم؛ نحو تقاطع طرق "الباهية". يتزود هؤلاء من الحي التجاري الكبير "المدينه الجديده" بأكياس المناديل التي يقولون إنهم يشترونها بـ 80 دينارا ويبيعونها بـ 100 دينار للكيس الواحد. عندما تنفد الكمية اليومية، يختار بعضهم العودة إلى ذويهم فيما يفضل البعض الآخر التسكع قليلا في المركب الرياضي لكاستورس؛ حيث يمارس تلاميذ الإعدادية فيه، في كثير من الأحيان، رياضتهم اليومية تحت أعين أساتذتهم.
أصل جرائم الأطفال
في الأحياء الشعبية الأخرى، مثل حي الدهاية، الذي كان يسمى بحي "البحيرة الصغرى"، "يفضل" الحمري ومديوني ومراهقون آخرون أنهوا دراستهم مبكرا، البحث في قمامة "وهران الكبيرة" وجمع المواد المكونة من النحاس أو البلاستيك والقابلة للبيع بعد تكسيرها أو تقسيطها. وتحذر سيدة في حي الدهاية كانت تراقب مراهقين يجران عربة مليئة بالمواد غير المتجانسة، من أن "عمالة الأطفال تشكل الحديقة الخلفية للمخدرات والتهريب بمختلف أنواعهما".
ووفقا لدراسات أعلن عنها الدرك الوطني الجزائري للسنتين الماضيتين، فإن التسرب المدرسي يشكل مصدرا لـ 39% من جنوح الأحداث (وهو مفهوم يشمل جميع المسلكيات التي يقدم عليها القاصرون فيما يحظرها القانون، مثل السرقة والاتجار بالمخدرات والسطو المسلح) وأن الٱنقطاع المدرسي مسؤول عن زيادة الجريمة في أوساط الشباب".
ويصرح لنا الكثير من التلاميذ الشباب الذين تسربوا من المدارس بقوله: "لم يكن جهدي منصبا على الدراسة، لقد كانت المدرسة – بالنسبة لي – جحيما لا يطاق" كما يقول الخبير الاجتماعي محمد مبتول الذي يصرح بأنه "قد بات ضروريا أن نعيد النظر في النظام التربوي إذا كنا نريد بالفعل التصدي لجنوح الأحداث ورفض تحويله إلى ظاهرة مجتمعية".