من المؤسف أن هذه الكاتدرائية أصبح يخيم عليها الصمت حيث أن كل الذين كانوا يترددون على هذا المكان وقع إخماد صوتهم. قباب الكاتدرائية لا تزال منتصبة ولكن أجراسها لم تعد تدوي. وقد عرفت معظم أماكن العبادة المسيحية نفس المصير أو هدمت كليا لكي يبنى مكانها مساجد أو مباني إدارية.
بالنسبة لسكان الأغواط، يعتبرهذا التغيير استمرارا منطقيا لاستقلال الجزائر. يقول مبارك، وهو يبلغ السبعين : "نحن مسلمون. لقد فرضت علينا المسيحية من قبل المستوطنين. حيث اضطررنا إلى إخفاء ديننا لمدة 132 عاما ". ويضيف : "بعد رحيل المستوطنين، بقي الآباء البيض والأخوات الأبيض. كانوا خدومين و كان الجميع يقدرهم و يحترمهم . ولكن مع انتشار الإرهاب في 1990، فقد قلصوا إلى حد كبير اتصالهم مع الناس. ولكن حتى خلال أسوأ الأحداث التي شهدتها الجزائر، فانهم لم يفكروا مطلقا في مغادرة البلاد ". و لا يزال أبرشية الأغواط موجودا. الأب كلود رولت ، أصبح الأسقف في 16 ديسمبر 2004، واستقر رسميا في 19 ديسمبر 2004.
ففي بلد تم تكريس الهوية الإسلامية للدولة في دستوره، يجد المسيحيون أنفسهم مجبرين على ممارسة شعائرهم الدينية في الخفاء. مما أثار استياء البعض منهم. معظم هؤلاء المسيحيين أتوا من بلدان إفريقية أو هم من المغتربين الذين يعملون في شركات متعددة الجنسيات. بول بارثولوميو ينتمي إلى الفئة الأولى. يتحدث عن تجربته فيقول :"لدي مشكلتين. أنا أسود وفي نفس الوقت أنا مسيحي. التقيت العديد من الأفارقة المسلمين و هم لا يعانون مثلي من العنصرية والتعصب. وصلت إلى الجزائر حيث تمكنت من زيارة كنيسة نوتردام افريقيا ولكنني سقطت عندما تم القبض على اللاجئين النيجيريين و تم ترحيلهم إلى بلدهم. كنت خائفا من أن أطرد فأعطيت كل ما أملك لسائق سيارة أجرة. ثم تخلى عني في هذا المكان. أنا في الأساس أمارس كل الشعائر الدينية وأذهب دائما إلى الكنيسة لكن منذ أن أصبحت أعيش في الجزائر لم أعد أجرؤ على أن أقول إنني مسيحي ". تعلم بول و هو شاب في الثلاثين من عمره كيف يرد السلام بقول السلام عليكم و أن يحمد الله بقول الحمد لله، لكي يعتقد الناس أنه مسلم ولكن مع ذلك فهو لا يزال ضحية التعصب و العنصرية.
من جهتهم يحاول نشطاء حقوق الإنسان القيام بمبادرات لفرض الحوار بين الأديان ولكن في كثير من الأحيان يواجهون بالرفض التام من قبل السكان المحليين . بدر الدين هو أحد الناشطين الحقوقيين الشبان الذي يسعى إلى خلق مناخ من السلم. يقول محدثنا : "كان الناس في السبعينات أكثر تسامحا و كانوا يقبول الاختلاف بين الأديان ولكن مع تنامي ظاهرة الإرهاب أصبحنا نلاحظ بعض السلوكيات العدائية تجاه غير المسلمين. هذا الوضع يحرم المنطقة من دخل إضافي حيث كان بالإمكان تطوير السياحة الدينية. ففي ذلك اليوم، حوالي عشرين من المستعمرين السابقين جاءوا لزيارة الكنيسة القديمة ".
من ناحيته يسعى أسقف الأغواط وغرداية كلود رولت إلى ترسيخ قيم التعايش السلمي بين الديانات السماوية. حيث يضاعف الأنشطة ورسائل التسامح. وهو لا يفوت أي فرصة للتعبير عن وجود الكنيسة الكاثوليكية جنبا إلى جنب مع المسلمين سواء في عيد الأضحى أو في شهر رمضان أو في المولد النبوي الشريف.
وكتب الأسقف بمناسبة عيد الأضحى 2014 : "لقد تعرض مؤخرا مواطن فرنسي في شمال البلاد إلى حادث مأساوي . و تسبب اغتياله في حالة من الذعر والسخط في كل من فرنسا والجزائر. إن أولئك الذين يستخدمون هذا الحدث لنشر صورة خاطئة عن الإسلام هم مخطئون. فهناك عدد كبير من المسلمين الذين أدانوا هذه الجريمة : في الحقيقة الله وحده يتحكم في الحياة والموت، ولا أحد يستطيع أن يحل محله "،.
أما الحكومة الجزائرية فهي تبذل جهودا كبيرة لتحسين ظروف ممارسة الديانات الأخرى. فقد أعلن محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية والأوقاف منذ مايو 2014، "الحرب" ضد المتطرفين خاصة عندما تحدث عن إمكانية إعادة فتح المعابد اليهودية. ولكن على أرض الواقع هناك العديد من الأطراف التي تواصل منع تطبيق مثل هذا القرار. و يظل بهذه الطريقة كل الذين يعتنقون دينا آخر غير الاسلام في الجزائر في حالة خطر دائم. و يدين الرئيس السابق للكنيسة البروتستانتية في الجزائر، مصطفى كريم هذا "التمييز". فبالنسبة له، "الحل الأمثل هو إلغاء قانون عام 2006 الذي ينظم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين." و تبقى بذلك مشكلة حرية العبادة و المعتقد معقدة و كبيرة في هذا البلد الذي لا يزال يشكو من رواسب الحرب الأهلية التي عاشها في التسعينات.