تراث انساني
في 2013 سُجِّل ركب سيدي الشيخ بالتراث الثقافي الغير مادي للإنسانية وهو مجموعة طقوس يقوم بها أعضاء المجموعات المنتمية لطائفة "الشيخية" الصوفية التي أسسها سيدي الشيخ.
تنتظم هذه الاحتفاليات سنويا يوم الخميس الأخير من شهر جوان بضريح سيدي الشيخ بالمدينة التي تحمل اسمه. طقوس دينية و تظاهرات احتفالية دنيوية تمتد طيلة ثلاثة أيام في أجواء رائعة تستحق أن يشهدها المرء و لو مرة واحدة بحياته. آلاف من الزوّار يرتادون الضريح و يقرؤون عليه ما تيسّر من القرآن.
"سلكة" كبيرة تنتظم أيضا طوال الليلة الفاصلة بين الخميس و الجمعة يصلي خلالها الزوّار و يتأملون و يختمون قراءة القرآن. مع بزوغ الفجر، تبدأ مراسم احتفال يدعى "الخاتمة" يتمثل في تجديد ولاء المجموعات لطائفة الشيخية الصوفية.
ترفيه و أطباق شهية
"ركب" هو أيضا أناشيد مدح لسيدي الشيخ و رقصات لنساء "الصف" بزاوية "للاّ ربيعة" من بينها رقصة "العلوي" الحربية. هو سلسلة جميلة من حركات "الفنتازيا" التي هي عبارة عن ألعاب فروسية يشترك في القيام بها أكثر من ثلاث مائة فارس ينتمون إلى كل مجموعات الطائفة و معها ألعاب مبارزة سلمية بالعصي لا تمثل خطرا على أحد.
الكسكسي الشهي التقليدي يوزَّع على جميع الضيوف. ذاك الطبق المغاربي الشهير و الجزائري الأصيل الذي يمكن خلطه بأصناف من المرق و اللحوم و الخضر تتعدد و تختلف باختلاف الجهة و العادات الغذائية. في الأبيض سيدي الشيخ يحبذ الأهالي طبخه بلحم خرفان الجهة المعروفة بطراوتها و بمذاقها الشهي الذي يحتفظ بطعم الحلفاء و الأعشاب الفواحة التي ترعاها القطعان في صحاري تلك الربوع. كل ذلك في مرق أحمر اللون تفوح منه رائحة التوابل و معه ما جاد به الفصل من خضر و هو ما يجعل من هذا الطبق الملكي متعة خالصة تدرك ذروتها إذا ما دُهنت حبات الكسكسي بزبدة ممتازة طازجة لا ترى النور إلا في مثل هذه المناسبات.
ميثاق سلم و تعايش
في الأبيض سيدي الشيخ، قرار التنظيم السنوي و التنفيذ الفعلي لمختلف الفعاليات من طقوس دينية و احتفالات و ألعاب فروسية يرجع للأحفاد المباشرين لمؤسس الطائفة الصوفية سيدي عبد القادر ابن محمد المكنى بسيدي الشيخ و الذين هم في نفس الوقت حافظوا الطريقة الصوفية.
تنتظم الفعاليات ضمن نشاط جمعية رسمية مرخص لها من الدولة الجزائرية اسمها "الجمعية التنفيذية لإدارة الزاوية المركزية للطريقة الشيخية المنحدرة من سيدي الشيخ". و طقوس "السلكة" الصوفية المتمثلة في ترتيل جماعي للقرآن تدرّٙس للمريدين مع "الخاتمة" و الأناشيد (التجليل و التريميد) و الأدعية وفق طرق ممنهجة على أيدي شيوخ الطائفة. و كذلك رقصة "الصف"، تتناقل حركاتها النسوة في إطار جمعية نسائية.
أما في ما عدا الاحتفالات، فإن ركب سيدس الشيخ يعد مناسبة سنوية تُعقد فيها الاتفاقات و مواثيق السلام بين قبائل الصحراء و الأطلس الصحراوي الذين مازال ممثلوهم يأتون في كل عام للنقاش و لتبادل الآراء حول المشاكل المشتركة و بالخصوص لمحاولة حلها. و بالرغم من كون الدولة لا تولي أهمية أبدا لهذا الحدث الذي كان و لا يزال اليوم يمثل فرصا للتلاقي، للتبادل الاجتماعي و الثقافي، للزواج كما لفض النزاعات، فإن تسجيل ركب سيدي الشيخ بالتراث الانساني يدعو إلى التوقف عنده كظاهرة يمكن الاستلهام منها في هذه الأوقات العصيبة التي تشهد تنامي العنف و الصراعات تحت ذرائع مختلفة. هي إذا منظومة قديمة قدم الأزل موجودة لتسوية النزاعات و هي واضحة جلية لمن يريد أن يرى و أن يسمع.