"كان عمري عشرين سنة ... في شهر اكتوبر من سنة 1962 ... كل حياتي انقلبت رأسا على عقب... كانت الساعة منتصف النهار وكنت أمشي رفقة أفراد من عائلتي في طريق على سفح جبل عصفور قرب الزاوية (على الحدود المغربية)...فجأة سمعنا دويا هائلا و وجدت نفسي مدفوعا لعدة أمتار مع آلام فظيعة في الأطراف السفلية... وقتها لم تكن وسائل النقل متوفرة بكثرة ولم يقع نقلي إلى مستشفى مغنية (25 كم) إلا عند حلول الليل و من ثم تم نقلي إلى مستشفى تلمسان على بعد 60 كم في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مزرية ... غادرت المستشفى بعد ثلاثة أشهر برجل مقطوعة و أخرى لا تزال تحمل إلى اليوم آثار الفاجعة" هكذا يروي لنا كادا ريريان بصوت أجش تفاصيل اليوم الذي غير حياته إلى الأبد...يصمت قليلا...ثم يمسح دموعه بخجل و على استحياء
منذ استقلال الجزائر سنة 1962 إلى اليوم وصل عدد ضحايا الألغام المضادة للأفراد التي زرعها الإستعمار الفرنسي إلى 6.797 ، 3.255 منهم توفوا و 3.542 آخرون أصيبوا بإعاقة ولا يدري أحد ماذا يخبّئ المستقبل.
54 سنة بعد الفاجعة يظل كادا ريريان و كثيرون مثله على حالهم و كأن الزمن لم يمر... يقول محدثنا : " نحن ضحايا هذه الألغام على المستوى الوطني أي في الولايات الحدودية قمنا بتأسيس جمعية خولت لنا بطريقة أو بأخرى الحصول على بعض الحقوق كإمكانية تغيير أطرافنا الإصطناعية مجانا و منحة مخزية تتراوح بين 8000 و 12000 دينار (من 47 إلى 70 يورو) لم تتم إعادة النظر فيها إلى اليوم"
لكن تبقى أكبر إهانة للضحايا من وجهة نظرهم تصنيفهم من قبل السلط العمومية في الجزائر... يقول كادا في هذا الشأن : " لسنا مصنفين كضحايا حرب و لا حتى كضحايا الأضرار الجانبية... بالنسبة للدولة الجزائرية، نحن ضحايا الألغام... فقط... صحيح أننا أصبنا بعد استقلال الجزائر و بعد حرب التحرير لكن الألغام التي أصابتنا زرعها جيش الإحتلال الفرنسي لقتل و جرح شعبنا في الجزائر... لسنا نحن من ذهبنا للجيش الفرنسي في دياره بل هو من أتى إلى أرضنا غازيا ليصيبنا في أجسادنا و أرواحنا... هو جيش الإحتلال من زرع الموت في أرضنا ليشوه و يقتل الجزائريين" و يضيف : " نحن بصدد النظر في موضوع تكليف محامي لطلب تعويضات من فرنسا"
بالرغم من وجود جمعية لضحايا الألغام إلا أنها تشكو من التهميش و عدم تصدر المكانة التي تليق بها على الساحة الجزائرية على غرار جمعيات قدماء المجاهدين أو جمعيات أبناء الشهداء
يذكر أنه حسب بيان من وزارة الدفاع الوطني في الجزائر" قامت وحدات الجيش المرابطة على الشريط الحدودي في شرق و غرب و جنوب غرب البلاد بتدمير أكثر من 9020 لغما مضادا للأفراد و لغم مضاد للجماعات هذا غير الألغام المضيئة و ذلك منذ الإستقلال
وكانت أود بومباشر رئيسة منظمة "إعاقة دولية" صرحت لجريدة الوطن في 2014 أنه "تم تدمير أكثر من 75% من الألغام المضادة للأفراد" مما يعني ضمنيا بأنه لايزال هنالك ألغام من هذا النوع في الجزائر.
بين سنتي 1956 و 1959 قامت فرنسا، حسب مسؤول عسكري جزائري، بزرع 11 مليون لغم على طول الحدود الجزائرية (على طول خط شال على الحدود مع المغرب و على طول خط موريس على الحدود مع تونس)
" إنه ميراثنا الوحيد من الإستعمارالفرنسي... الألغام...إنها هدية ما بعد الموت" يقول كادا ريريان بحسرة واضحة...