فخر الدين غطاس، هو فتى ذو 12 ربيعا وهو معاق حركيا بنسبة 90% إضافة إلى فقدانه النطق فهو أبكم منذ ولد. استقبلنا والده السيد عمار وابنه في كرسيه المتحرك مبتسما كعادته رغم الظروف القاسية التي يمر بها. بدأ الأب بسرد حكاية فخر الدين الذي قال إنه ولد معاقا سنة 2003 حيث اكتشفت القابلة ذلك وعرض على الطبيب إلا أن حالته كانت صعبة جدا حسب تصريحه، فحاولوا البحث عن أي طبيب مختص ولكن دون جدوى، إلى أن كبر فخر الذين وترعرع بين أحضان عائلته وأمه تكابد عناء النفاس والقلق على حالة فلذة كبدها الأول. وما زاد الأمر تعقيدا هو اكتشاف الوالدين لإعاقة ابنهما الثانية وهي فقدانه للكلام.
يواصل الوالد سرده فيقول انه بعد بلوغ فخر الدين الست سنوات لم يحظ بدخول المدرسة كغيره من الأطفال، وهذا لأن حالته لا تسمح له بمزاولة الدراسة، والأدهى من ذلك أنه لا توجد أي مدرسة خاصة ولا روضة ترعى مثل هؤلاء الأطفال. بقاء فخر الدين كل يوم في البيت جعل نفسيته تنغلق لينطلق بالبكاء دون توقف.
سألنا الوالد عن طموحات ابنه فأجاب أنه من خلال إحساسه بمتطلباته، فإنه يعشق كرة القدم، بل ويحب مشاهدتها على التلفاز وهذا ما يبدو على ملامحه حين يغير الوالد القناة إلى قناة غير رياضية. وأضاف: "لقد لاحظت حب فخر الدين لصلاة التراويح في رمضان، وكيف أنه ينهمك متفرجا عليها في التلفاز، فحققت له حلمه في زيارة البقاع المقدسة، وكان ذلك العام الماضي" . إلا أن مبتغى فخر الدين هو العيش حياة الكرماء حتى في غياب والده الذي يتكبد عناء كل شيء من أجله. لقد لخص لنا السيد عمار حالة ابنه المعاق الذي لم تمتد إليه يد العون من أي هيئة، بل إنه لا وجود لهذه الهيئات في البلدة، فلا أولوية له ولا لأمثاله في أي مصلحة – ويضيف – فإن البلدية لا تسهر على توفير أي نوع من أنواع الترفيه لهؤلاء، فضلا عن تهميشهم في يومهم العالمي الذي يوافق 03 ديسمبر من كل عام.
إبراهيم هو طفل آخر معاق إعاقة بصرية 100% . وصلنا إلى بيته الذي كان بسيطا جدا شمال البلدة التي يسكن فيها، وجدنا والده في استقبالنا وهو يمسك بيده، جلسنا على الحصير البالي الذي أعده لنا وكله أمل في إسماع صوت ابنه ولعلها أول مرة يحس بطعم الاهتمام بابنه، فإبراهيم لم ير نور الحياة أبدا، والمعاناة في تزايد يوما بعد يوم، فكما يصف الأب حالته فإنه يحيا حياته وحياة ابنه بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو وزوجته من يجهّزانه صباحا، وهي من تعمل على استحمامه وارتداء ثيابه وأكله وشربه بل وحتى نومه ليلا... لم نشعر بأب إبراهيم إلا وهو يذرف الدموع حرقة على ابنه الذي لم يستطع إتمام قصة معاناته لنا، فضلا عن التهميش الذي يلاقيه من طرف المعلمين في المدرسة وحرمانه من الأولوية في الاستفادة من حقوقه، فقد روى قائلا: "ليس لديه إلا صديق واحد يتطوع لمرافقته إلى المدرسة ويسهر على تلبية حاجياته، أما أن تجد هيئة ترعاه أو تكفله أو توفر له كتبا خاصة بالمكفوفين (كتب بتقنية البراي) فهذا ما لم نسمع به ولا أظننا نجده في هذا المجتمع".
لقد حاول أبو إبراهيم أن يروي لنا كيف يقضي ابنه وقت فراغه، إلا أن الدموع غلبته لما يواجهه ابنه من حرمان لأبسط الحقوق، إذ لا يملك أي وسيلة تسلية تشغله عن المعاناة، ولا أصدقاء يتعاطفون معه، فضلا عن بقائه بين جدران البيت أو في الشارع لبضع دقائق.
ليس هذا فحسب، بل إن معظم الأطفال الذين انتقلنا إليهم وقصّوا علينا قصصهم كانت جميعها تصب في مصبّ واحد وهي مطلبهم الوحيد في تأسيس مركز أو مؤسسة خاصة تشرف على تدريسهم كلّ حسب ظروف إعاقته، وأن يجدوا من يهتم بهم نفسيا وجسديا، لأن هذا ما يضمن لهم مستقبلا دراسيا حتى بدون شهادة في آخر المطاف – حسب مطالب أوليائهم – فالمهم لديهم هو التعلّم ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع من خلال منحهم الحقوق المكفولة لهم.
قصد إسماع هذه الانشغالات إلى المصالح المعنية، فقد انتقلنا إلى مديرية النشاط الاجتماعي بمقر الولاية للاستفسار عن كيفية رعاية هؤلاء الأطفال، وما السبيل لتوفير مؤسسة خاصة لتدريسهم، فكان الرد – كالعادة – هو تكوين جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن مكمن المشكل في هذا التأسيس – حسب أولياء الأطفال – هو أن نشاط هذه الجمعيات سرعان ما يفتر، لأن عملها تطوعي وليس هناك كفاءات تحمل هذا الهم "دون مقابل"، و بالنظر إلى الحالات المادية التي يعيشها أولياء هؤلاء الأطفال والذين لا يتعدى دخل أغلبهم الأجر القاعدي الذي يكفل حياة مريحة، فإنه من الصعب عليهم تسديد أموال إضافية لرعاية أبنائهم.
وفي نفس السياق فقد صرّح أبو وسيم – وهو طفل في الرابعة من عمره – أن ابنه يعاني من إعاقة تأخر في النمو، حيث لا يتناسب حجم جسمه مع عُمره، وبعد عرضه على الطبيب كان لزاما عليه إجراء عملية جراحية في تونس قدرها 400 دولار والتي تقدر بـ 40 مليون سنتيم بالعملة الجزائرية، ويضيف: "أنا وابني الوحيد نكابد عناء التنقل من أجل إجراء الرياضة الدورية عند الطبيب المختص بهذا الشأن، والتي تكلفني وزوجتي الجهد والمال في كل زيارة".
هذا ويصارع بعض المعاقين من أطفال بلدة عمر الموت أحيانا بسبب سوء حالاتهم الصحية وأحيانا بسبب الأمراض النفسية التي يتعرضون لها جرّاء التهميش واللامبالاة. ففي اتصالنا بمصلحة الشؤون الاجتماعية ببلدية بلدة عمر وسؤالنا عن أي مبادرة لرعاية هؤلاء الأطفال والاستماع إلى انشغالاتهم، فإن رئيس المصلحة فسر الأمر بأن البرنامج مسطر من طرف المديرية الولائية للنشاط الاجتماعي وليس للمصلحة البلدية أي صلاحيات في التصرف تجاه هذه الفئة، إلا أن تكون مبادرات من طرف جمعيات يشرف عليها أطباء مختصون في علاج هذه الإعاقات أو الجانب النفسي على الأقل وهذا للتقليل من وطأة المعاناة التي يتعرض لها الأطفال وأوليائهم.
رغم كل هذه المعاناة فإن أطفال بلدة عمر المعاقين وأوليائهم لا يزالوا متعلقين بقشة الأمل التي تلوح لهم من بعيد في كل فرصة لإحساس المجتمع بهم.