فالزائر للقرية يفاجئ بالواقع المؤسف الذي يعاني منه سكان القرية. ورغم قربها من عاصمة الاهقار ، فالقرية تعيش تخلفا كبيرا في مختلف نواحي التنمية.
يعاني السكان في هذه المنطقة من غياب لأدنى شروط الصحة اذ لا وجود لقاعة علاج أو أي طبيب اضافة الى عدم تعبيد الطريق و غياب الكهرباء التي لم تشمل جميع الأهالي. و ما زاد من معاناتهم هو تدفق مياه الصرف الصحي التي تستقبل زائر القرية عند مدخلها مما يحتم على أي أحد عبور المياه القذرة للوصول إليها.
عند وصولنا للقرية و بعد عبورنا لواد مياه الصرف الصحي المحاذي للقرية، توجهنا إلى أحد سكانها و هو (عمي محمد) الذي وجدناه في حقله متكئا على عصاه. كانت تبدو على ملامحه معاناة سكان القرية الذين أنهكتهم صعوبة الحياة. كان منهمكا بتوجيه الإرشادات لأبنائه الأربعة في كيفية غرس (السلاطة).
وخلال حديثنا مع (عمي محمد) عن مياه الصرف الصحي التي شكلت واد أصبح يحاصر القرية ، أكد لنا أن هذه المياه القذرة تصب بالقرب من القرية منذ أكثر من عشر سنوات ،لكن الوضع ازداد سوءا منذ ما يقارب الخمس سنوات حين شٌرع في استغلال ما يسمى بمشروع القرن الذي زاد من جريان الواد بسبب وفرة المياه وبالتالي زاد ضخ مضخة مياه الصرف الصحي القريبة من القرية.
وأضاف (عمي محمد) أنه رغم اتصال السكان بالسلطات المحلية و احتجاجهم بالطرق السلمية إلا أن السلطات لم تعر أي اهتمام لهذا الأمر في ذلك الوقت.
و مع مرور الزمن أصبح هذا الواد القذر يشكل خطرا كبيرا على حياتهم و حياة أبنائهم و كذا فلاحتهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد. حيث أصبح منتوج قرية (تاقرمابيت) غير مرغوب فيه في السوق بسبب تخوف المواطنين من الأمراض التي من الممكن أن تحملها الخضروات القادمة من القرية ، مما زاد من معاناة السكان و أدخلهم في بطالة بسبب هذه المياه العفنة التي حولت حياتهم إلى جحيم.
وحسب (عمي محمد) فان سكان القرية أصبحوا متخوفين من شرب مياه الآبار بسبب تلوثها بالمياه القذرة.
و يواصل المتحدث "إن هذه المياه المتعفنة أصبحت تهدد صحة سكان القرية و لا سيما الأطفال منهم الذين يجهلون خطر هذه المياه التي حاصرت القرية. فعدد من الأطفال الذين شربوا من بعض الآبار جهلا منهم بالخطر و نظرا لتعودهم على شرب مياه الأودية تعرضوا إلى جملة من الأمراض منها الجلدية و غيرها من المتنقلة عبر المياه ، و الأدهى من ذلك ، حسب (عمي محمد) أن هذه المياه تسببت في وفاة ثلاثة أطفال .
كما عرفت القرية انتشارا لبعض الحشرات الضارة الناقلة للأمراض مثل الذباب و البعوض و غيرها و التي لم تسلم منها حتى الحيوانات.
حيث أبدى (عمي محمد) استغرابه من بعض الأمراض التي أصبحت تصيب الحيوانات مثل الماشية "عند ذبح المعز مثلا نجد أن رئتها سوداء اللون و تنبعث منها رائحة كريهة مما يجعل أكلها مستحيل و حتى الجمل عند ذبحه لا يمكن أكله بسبب شربه للمياه القذرة".
و في هذا الصدد تحدثنا مع السيدة فوزية قيدوم وهي مختصة في علم الأوبئة ، التي أكدت لنا أن المياه الغير صالحة للشرب عند تسربها و امتزاجها بالمياه الصالحة للشرب ينجم عنها ما يعرف بالأمراض المتنقلة عن طريق المياه مثل (الكوليرا و الإسهالات ).
كما حذرت المختصة من أكل الخضروات التي تزرع في الأراضي المسقية بالمياه القذرة لأنها تؤدي إلى إصابة الإنسان (بحمى التيفوئيد). و عن التربة المسقية بهذه المياه أكدت أنها تصبح غير صالحة للزراعة لأن هذه المياه تفقدها مكوناتها الطبيعية بسبب مياه الصرف الصحي. كما شددت على ضرورة تجنب الأطفال هذه المياه ، فحسب أحد تقارير منظمة الصحة العالمية فان الآلاف من الأطفال يموتون سنويا بسبب المياه القذرة .
ويبقى سكان قرية تاقرمبايت يعانون جملة من المشاكل ، زادتهم المياه القذرة معاناة أخرى أنستهم ظروفهم الصعبة التي يتخبطون فيها. حيث أصبح همهم الوحيد تخلصهم من هذه العلة التي تكاد أن تقضي على حياتهم. ورغم مناشدتهم للسلطات و الجهات الوصية فانهم لم يتلقوا أي رد ملموس غير الوعود التي تنتظر التجسيد. و إلى حين ذلك الوقت ربما يصبح سكان القرية يطالبون برعاية صحية تخلصهم من الأمراض التي قد تكون انتشرت جراء المواد السامة التي تحملها مياه الصرف الصحي إلى قريتهم.