خلال جولة قادتنا لقرية "إندلاق"، 70 كلم جنوب شرق عاصمة ولاية تمنراست ، رأينا سكانا كغيرهم من سكان القرى التي يقطنها البدو الرحل الواقعة بضواحي مقر الولاية، يعيشون في سكينة و هدوء يجعل الزائر يخال أنهم في أحسن الأحوال و في قمة الأريحية. لكن الوضع لم يكن كذلك بتاتا... إذ سرعان ما فوجئنا ببناء يختلف في شكله عن بنايات القرية ، إنه مقر مركز علاج القرية. لكنه يبدو خاليا كثكنة مهجورة و هو منذ سنوات لم يفتح أبوابه لاستقبال المواطنين المرضى.
لدى رؤية ذاك المكان المقفر، رجعت بنا الذاكرة إلى نص المادة 54 و ازدحمت بذهننا الأسئلة... كيف لهؤلاء الناس أن يعيشوا في قلب الصحراء بما فيها من عقارب و أفاعي ؟ كيف يمكن للأطفال أن يقاوموا الأمراض الموسمية ؟ كيف يمكن تقديم رعاية صحية للنساء الحوامل أثناء الحمل و أثناء الولادة ...؟ أين هو محل مواطني القرية من الإعراب فيما نصت عليه المادة ، أسئلة بقت تدور في فكرنا بلا إجابة.
تحدث لي أحد كبار القرية إنه الشيخ عبد السلام، كان يبدو عليه طيبة و رزانة أهل البادية. و بصوت فيه نبرة حزن و تأسف لانعدام الرعاية الصحية المغيبة في القرية، أكد الشيخ أن قاعة العلاج المتواجدة في المنطقة أصبحت عبارة عن هيكل مشيد من دون فائدة ، فهي مغلقة منذ أزيد من سنة مما أثار استياء السكان، فلا الطبيب موجود و لا الممرض، و هو ما زاد من معاناة المواطنين .
و يضيف الشيخ عبد السلام: " عندما يصاب أطفالنا بالزكام نضطر إلى التنقل إلى مقر الولاية من أجل علاجهم ، في حين أنه من الممكن أن نعالجهم في قاعة العلاج المتواجدة بالقرية و بلقاح بسيط ، لكن غيابها و غياب الرعاية الصحية يزيد من معانتنا ، بل يضر بدراسة أطفالنا ، فعند التنقل إلى عاصمة الاهقار يغيب الأولاد عن الدراسة فتزداد القساوة و المعاناة ، فالسعي للبحث عن الصحة يقابلها ضياع دراسة الأطفال ".
و أردف محمد أحد شباب القرية : " نحن نعيش بتعداد سكاني معتبر في هذه القرية و نعاني من غياب الرعاية الصحية ، فمركز العلاج و الملجئ الصحي الوحيد للسكان أوصد أبوابه في وجهنا. زد على ذلك أن قريتنا تشهد نشاطا كبيرا للعقارب في فصل الصيف مما يعرض حياتنا للخطر ، ففي حالة ما أصيب أحد السكان بلسعة عقرب ، كيف لنا أن نتنقل و نقطع مسافة 70 كلم غير معبدة ، فغالبية السكان لا يحوزون وسيلة نقل و الأكثر من ذلك لا توجد سيارة إسعاف ، مما أصبح يؤرقنا و يزيد من معاناتنا ".
لدى سماع هذه الشهادات تخلّلت ذهني وضعية مرأة حامل تجد نفسها في هذه الوضع، فكان رد الشيخ عبد السلام : " لا حل لها إلا التنقل إلى مقر الولاية و قطع الطريق الشاقة ". و في نفس السياق أضاف الشاب محمد أن " المرأة الحامل لا مفر لها عن التنقل الشاق و التعب من اجل زيارة الطبيب و الفحص الدوري ، فسكان القرية لا مأوى لهم في عاصمة الأهقار مما يجعل المرأة الحامل تقطع ما بين ذهاب و إياب مسافة 140 كلم في اليوم. و عندما يحدث هذا و هي في حالتها تلك تصبح معاناتها جسدية و نفسية في آن واحد باعتبار الهلع الذي ينتابها مخافة أن يحصل مكروه ما لجنينها" .
أما عن مطالبهم، فقد تحدث الشاب محمد بنبرة حزينة كمن ينتظر فرجا أو تحقيق أمنية تبدو بعيدة المنال : " نطالب السلطات المحلية بتوفير طبيب و سيارة إسعاف "... قالها و كأنه يتمنى أن يرى حلما يصبح حقيقة.
و في الوقت الذي تخطى فيه طلب مواطني الولاية ضرورة توفير الرعاية الصحية إلى تقديمها بشكل راقي ، لا يزال سكان قرية إندلاق بعاصمة الأهقار يحلمون بتجسيد قدر ضئيل من الحق الأدنى في الرعاية الصحية.