وقد أحصى ناقلون وضحايا حوالي 22 سيارة تم الاستيلاء عليها على هذا الطريق في ظرف 4 أشهر فقط. ولا يزال الجميع يتذكر كيف تم الاستيلاء، يوم 10 مارس المنصرم قبيل منتصف الليل، على سيارة تابعة لوكالة تأجير سيارات خاصة، على بعد 20 كيلومترا فقط من تومبوكتو، وتحديدا في منطقة تينتلوت.
السيارة المذكورة كانت مؤجرة من قبل منظمة فيلثهونجرهيلف الألمانية، في إطار مهمة تتعلق بدفع رواتب سكان مهمشين يعملون في بلديات دويكيري، غوندام وتونكا التابعة لغوندام، وكانت تحمل على متنها أكثر من 9 ملايين فرنكا غرب إفريقي (13.700 يورو).
وما إن اجتاز السائق حوالي 20 كلم حتى اضطر إلى التوقف تحت تأثير نيران المسدسات ومدافع كلاشينكوف الرشاشة، وفقا لشهادات الضحايا الذين قالوا إن شابين مسلحين للغاية ويبلغان –بالكاد- عشرين سنة أمراهم بالنزول من السيارة، وقاما بربط يدي كل من السائق ومساعده إلى الخلف، وزجا بهما في صندوق السيارة الخلفي. ويصرح السائق عاليو بابا أن المعتديين الاثنين أبعدا السيارة عن الطريق المسفلت حوالي 5 كلم وأمرا رئيس بعثة المنظمة الألمانية بمساعدتهما في إخراج دراجة من نوع سانيلي كانت مخبأة في الرمال، ومن المؤكد أنهما استقلاها للوصول إلى الطريق.
ولم تتوقف المحنة عند هذا الحد؛ حيث إنهما، كما يقول عاليو، أطلقا سراح الرهائن في العراء على بعد 25 كلم من الطريق الرئيسي، بعد أن انتزعا منهم كل ما بحوزتهم.
ويقول السائق: "لقد أفهمَنا هذان الشابان أنهما يعارضان اتفاق الجزائر المزعوم وأن حركتهم لن توقع عليه، وأنهما سيعودان قريبا لنفس الطريق للاستيلاء على المزيد من السيارات ولتعطيل حركة المرور. ولْيتقدمْ من يثق في رجوليته ليحاول ثنينا عن ذلك كما يقول أحد المعتديين".
ويتفق جميع الأشخاص الذين اتصلنا بهم هنا في تومبوكتو، والذين فضلوا حجب هوياتهم، على أن التصريحات الواردة أعلاه ليست سوى ذريعة لتبرير الاعتداء؛ حيث إن هذين الشابين لا يمكن أن يبررا هجماتهما بموقفهما من الاتفاق الذي توصلت إليه الوساطة الجزائرية. فيما يرى آخرون أن السبب في اللجوء إلى مثل هذه التصرفات هو نقص الموارد المالية؛ حيث يتم بيع السيارات المسيطر عليها على الحدود مع موريتانيا أو الجزائر وصرف أثمانها في شراء المواد الغذائية المعيشية.
ويرى البعض أن الأمر عبارة عن محاولة لإضفاء مسحة إثنية على المشكل؛ حيث إن السيارات التي يملكها مواطنون من ذوي البشرة القاتمة هي وحدها التي يتم الاستيلاء عليها، بينما يتم إرجاع السيارات التي تعود ملكيتها لذوي البشرة الفاتحة لأصحابها؛ هذا إذا تم الاستيلاء عليها أصلا. ويقول أصحاب هذا الرأي إن الهدف من ذلك هو إثارة نقمة المجموعات الزنجية لجرها إلى الانتقام من العرب والطوارق الذين بادروا بالعودة الطوعية إلى الشمال المالي وبدؤوا يزاولون أعمالهم بشكل طبيعي. ومن بين "المحللين" الأقل ضراوة من يرون أن الأمر برمته ليس إلا نتيجة طبيعية حتمية لانعدام الاستقرار.
كثيرة هي حالات اختطاف السيارات؛ وقد وقع ضحيتها قطاع المياه، وقطاع ترقية الأسرة والمرأة والطفل، والمنظمة غير الحكومية لوكس-ديفيلوبمان (الرفاهية للتنمية)، وكذلك ثلاثة ناقلين كانوا يشاركون في الأسواق الأسبوعية بين القرى وتم رش سياراتهم بالبنزين قبل إشعال النيران فيها.
يقول إبراهيم غيندو، ميكانيكي السيارات، إن 22 سيارة تم غصبها في هذا المقطع الطرقي دون أن يكون هناك أي حل مقترح من الدول أو من بعثة الأمم المتحدة لإحلال الاستقرار في مالي (مينوسما) لردع مثيري الشغب.
ويسود في أوساط السكان غموض تام وقلق كبير؛ حيث يرى العديد من سكان ديري وغوندام ونيافونكي والذين لم يعودوا يستطيعون التحرك بكل حرية أن الوضع مثير للاستغراب، ويتساءلون: "ما هو الجدوى من حضور قوات الجيش المالي وبعثة الأمم المتحدة لإحلال الاستقرار في مالي؟ وما هي نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين جميع الأطراف المتنازعة؟".
وقد ألقى هذا الوضع بظلاله الثقيلة على مدينة تومبوكتو، وزاد من معاناة دوائر غوندام وديري ونيافونكي. وإذا لم يتم التوصل إلى حل ما، فإن المنظمات الإنسانية قد تحزم أمتعتها وتترك السكان في وضعهم الهش والمزري. سكان لم يعد أمامهم إلا نشاط واحد: "متى يتم توزيع كميات مجانية من الأغذية؟ متى تفحص المنظمات غير الحكومية السكان المرضى؟". إنهم يفتقرون إلى الماء الشروب، إلى الأدوية، إلى المدارس، واليوم أصبح تنقلهم بين قرية أو مدينة وأخرى ينضوي على مخاطر جمة. ويتحتم على التجار القلائل في هذه المناطق النائية وغير الآمنة أن يحدوا من أنشطتهم؛ حيث إنهم يعدون أهدافا مفضلة وسهلة. وتمثل قرية بامبا، الواقعة على بعد 145 كلم إلى الشرق من تومبوكتو، مثالا حيا على المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء: لقد تم إفراغ محلاتها التجارية من محتوياتها.
ويصرح الوالي المعين حديثا في الولاية، آداما كانساي، أن كل هذه المخالفات يتم ارتكابها عمدا بهدف التشويش على اتفاق وقف إطلاق النار وبغية تشويه الاتفاق الموقع بالأحرف الأولى في الجزائر. ووفقا للمسؤول فإن ذلك يعتبر استفزازا صريحا ينبغي على الحكومة أن لا توليه أي عناية. ولضمان أمن مقطع تومبوكتو-غوندام، يقترح الوالي تنظيم دوريات بمعدل اثنتين أسبوعيا، في انتظار استتباب الأمن الحقيقي وعودة السلام بين كل الماليين.