لكن منذ وصولهم إلى باماكو، سرعان ما تخيب آمال الطلبة الجدد عندما يكتشفون أن ظروف التكفل بهم لا تعدو أن تكون ظروفا بائسة. ففي الفضاءات الجامعية المخصصة لاستقبالهم، الطعام ، إن وجد، مقرف و الغرف لا تصلح للسكن، هذا طبعا إن كان للطالب حظ الحصول على واحدة.
سليمان ڨيرو جاء من إقليم موبتي بدائرة كورو و هو طالب مقيم بالمركب الجامعي لكلية العلوم التقنية (FAST) يشتكي من نقص المياه بالحي الجامعي و يحتج قائلا : " نعاني من نقص المياه منذ شهرين على الأقل. ماذا يمكن أن أقول لكم؟... الوضع كارثي... يحدث ان نتغيب عن الدروس و نذهب لجلب الماء هذا غير مقبول!". يشتكي سليمان كذلك من ظروف السكن و يقول أنه طوال السنة الجامعية 2010 – 2011، عندما كان بالسنة الأولى " سكن نفس الغرفة مع عشرة من الطلبة الآخرين". و يضيف أن الطلبة الذين ليست لهم غرف ينامون في الشرفات.
الأحياء الجامعية مفتوحة على محيطها الخارجي و لذلك فهي غارقة في العنف و انعدام الأمن بحيث أصبحت الاعتداءات حدثا يوميا. و أمام هذه الظروف المروعة يلجأ الطلبة الميسورون إلى اكتراء غرف بالمدينة و هو ما يكلفهم الكثير من المال حيث أن أقل الغرف تكلفة يكون سعرها بين 25.000 و 30.000 من فرنكات العملة الإفريقية و هو ما يمثل ثروة بالنسبة لطالب جامعي.
أما الطلبة الذين لهم امكانيات مادية محدودة فهم يفضلون الاشتراك بالكراء أو يحاولون أن يجدو عائلة تستقبلهم بينما يجد أبناء العائلات الفقيرة أنفسهم في وضع صعب للغاية و عادة ما تكون ظروف حياتهم على غاية من الصعوبة و الهشاشة بحيث سرعان ما يستسلمون لمغادرة الحلبة. الأدهى من كل ذلك أن بعض الطالبات المعدمات تجدن أنفسهن مكرهات على ممارسة الرذيلة أو ما يعرف ب"أقدم مهن العالم" من أجل توفير الطعام و ثمن كراء غرفهن. هذه الظروف هي ذاتها التي تدفع بالعديد منهم للإدمان على الكحول و المخدّرات
بصورة عامة، يضطر أغلب الطلبة الماليين إلى الاعتماد على أنفسهم و هو السبب الرئيسي في الفشل الدراسي للطلبة الماليين. هذه الحقيقة مؤلمة لأن العديد من الطلبة تحصّلوا على الباكالوريا بمعدّلات جيدة جدا. لا فائدة من القول إذا أن الجامعات المالية تشهد نسبا مرتفعة لتخلّي الطلبة عن الدراسة و إقصاؤهم و ذلك خاصة بالنسبة للطلبة الوافدين من المناطق البعيدة.
حمّاد كارامبي أصيل منطقة موبتي يسكن بالحي الجامعي بباماكو. هو يشعر "بالقرف" و نفاذ الصبر و يعتبر أن المسؤولين لا يفعلون شيئا من أجل تحسين و ضع الطلبة في باماكو بل و يتحدث أيضا عن استقالة تامة من السلطات.
و ينتقد حمّاد بشدّة على حدّ السواء المركز الوطني للخدمات الجامعية المكلّٙف بإدارة المركّب الجامعي و جمعية تلاميذ و طلبة مالي (AEEM) و هي النقابة المكلّفة برعاية مصالح الطلبة المادية و المعنوية فيقول عنها : " هذه الجمعية ليست إلا هيكلا فارغا لا يفعل شيئا من أجل تحسين ظروف عيش الطلبة القادمين من الأقاليم الداخلية"، مضيفا أن الطلبة يوجدون في حالة إهمال تام.
و في إشارة إلى الأحداث التي عرفتها الجامعة في مارس 2012 عندما اقتحم مسلّحون مجهولون الحرم الجامعي المكتظ حينذاك و أطلقوا النار ليوقعوا قتيلين في صفوف الطلبة، يختم حمّاد كارامبي بقوله: " لقد وصلت الأمور إلى قاع الحضيض عندما وقع قتل الطلاب في وسط الحرم الجامعي".
و إحساسا منه بمعاناة الطلبة، يقوم الدكتور ندو سيسي، رئيس قسم التعليم و البحث العلمي بكلية الآداب و اللغات و علوم الخطاب، بإيواء مجموعات من الطلبة في بيته : " أعرف معاناتهم فقد مررت بها أيضا. لذلك أفتح لهم باب بيتي منذ 1984. صحيح أن ذلك يسبب لي بعض المشاكل أحيانا لكنني أواصل لعب دور المنقذ و نظرا لكون إمكانياتي المادية محدودة فأنا أعرف أنني لن أستطيع فعل ذلك على الدّوام... إن على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها كذلك".
سيكو دومبيلي، الكاتب العام للجنة جمعية تلاميذ و طلبة مالي (AEEM) بالمركب الجامعي لبادالابوڨو، يقسم بأن جمعيته تتحرك لتجعل الحياة داخل المركب الجامعي أقل عناء و يؤكّد في هذا الصدد: " بالنسبة للسنة 2015 – 2016 قامت الجمعية بإجراءات لتحسين ظروف عيش الطلبة الوافدين من المناطق الداخلية من المقيمين بالحرم الجامعي ". كما يعتقد أن مطالب الطلبة في طريقها نحو التحقّق حيث أن "أشغال إصلاح أحواض الاستحمام بصدد الإنجاز و كذلك تعهدت ال "CENOU" ببناء مصحة للعلاج قبل موفّى 2016. أما في ما يتعلق بالمسألة الأمنية فقد طلبت الجمعية من المركز الوطني للخدمات الجامعية ان تثبّت مركزا للشرطة بالمركب الجامعي". في انتظار ذلك تقوم لجنة مكوّنة من الطلبة تسمّي نفسها "شرطة الحرم الجامعي" بمهمة الحفاظ على الأمن. لكن ذلك على ما يبدو لا يحضى بإعجاب الجميع كما يقول محدثنا دومبيلي، حيث توجهت مجموعة من الفتيات نحوه لتطالبنه بحل هذه الوحدة. لماذا؟ "لأن الوحدة المذكورة تمنعهن من استقبال أحبّائهن الذين يقومون بإعالتهن داخل الحرم الجامعي"... فعلا الوضع جدير بإحدى روايات الكاتب الشهير كافكا!
نوال ڨيندو، أصيل منطقة موبتي بدائرة باندياڨارا، هو طالب يكتري غرفة بحي داودابوڨو بباماكو. و هو يشتكي من التأخير الذي يحدث في دفع المنح الجامعية للطلبة : "تأتينا المنح بعد ستة أو سبعة أشهر من التأخير و هو ما يعقد وضع الطلبة و يزيده هشاشة. فبدون نقود الطلبة الذين يسكنون غرفا على وجه الكراء يجدون أنفسهم عرضة للطرد من قبل أصحابها بينما يتوقف البعض منهم عن الدراسة و يجبر على العمل". هي حياة شقاء كما يختم محدثنا.
فما رأي السيد يحيى حيدرة، المدير العام لل"CENOU" في كل هذه الانتقادات؟
يشرح لنا السيد حيدرة أنه، مع افتتاح المطعم الجامعي في شهر جانفي الماضي ببادالابوڨو في إطار ما يعرف بمشروع "وضع اليد في العجين"، سوف يتغير الوضع بشكل ملحوظ جدا : " إنه أحد أهم مشاريع ال"CENOU" الرامية إلى تحسين ظروف معيشة الطلبة. هذا المطعم الذي هو ثمرة تعاون صيني – مالي تبلغ طاقة استيعابه 250 مكاناة بينما لا يتعدّى ثمن الوجب ةفيه ال 250 فرنكا بعملة المجموعة الافريقية و هو كذلك مطابق لمواصفات الجودة".
صحيح أن مشروع "وضع اليد في العجين" هو مبادرة حسنة باعتراف جميع الطلبة. لكن بالنظر إلى كل المشاكل المطروحة فهم يرون كذلك أنه لا يعدو أن يكون مجرد قطرة في محيط من البؤس.