وبعد عديد التّجاذبات، قررت السّلطات النّيجريّة تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية بلاهاي الهولندية على خلفية طلب من منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة.
هو أحمد أغ الفقي المعروف باسمه الحركي ’’أبو تراب’’ المنحدر من قبائل الطوارق، ويرجع أصله إلى المدينة ذاتها في شمال مالي (أزواد).
كان أبو تراب يرأس ما يعرف “بديوان الحسبة” هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عام 2012 وهو العقل المدبر في هدم الكثير من الآثار في تين بكتو وله يد كذلك في تنفيذ أحكام المحكمة الإسلامية أثناء سيطرتهم على المنطقة.
وأفاد القضاء المالي بأن أبو تراب هو المسؤول عن تنفيذ هجمات على تسعة أضرحة ومسجد سيدي يحيى في تين بكتو التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر ميلادي حيث كانت مركزا تجاريا رئيسيا ومركزا لتلقي العلوم وهي تقع اليوم على لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو.
وأشارت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، في تصريح لها لوسائل الإعلام بأن أبو تراب هو "عضو في جماعة أنصار الدين المتطرفة ولعب دورا بارزا وفعالا في تسيير أعمال الإدارة المحلية التي تشكلت خلال احتلال الجماعة لتين بكتو عام 2012 ".
وأضافت المتحدثة ذاتها "إن الهجمات المتعمدة ضد الآثار والمباني التاريخية الدينية هي جرائم خطيرة. مثل هذه الأفعال تؤثر على الإنسانية جمعاء وسنستمر في القيام بدورنا لتسليط الضوء على خطورة جرائم الحرب هذه". مؤكدة بأن هذه هي المرّة الأولى التي يُسلم فيهــا إرهابي بتهمــة الاعتداء على أثار إنسانية
من جهته عبر محمد عالي أغ حاما أحد أقارب أبو تراب، عن تفاجئه بسماع خبر انضمام قريبه إلى هذه الحركات التي وصفها بالإرهابية، قائلا: "فعلا صدمنا سماع خبر انضمامه إلى هؤلاء الإرهابيين وسمعنا انضمامه ونحن في مخيم اللاجئين بموريتانيا".
ويواصل أغ حاما "كان قريبي شاعرا محترفا معروفا في تين بكتو وهو من خريجي المعهد التربوي لتكوين المعلمين قسم الفنون واللغة ومدرس اللغة العربية هناك قبل أن يلتحق بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي سنة 2012 في منطقة أرياو غرب شمال تين بكتو".
وللحديث عن هذه المعالم الأثرية، يقول الباحث والمؤرخ محمد سالم : "لقد انفردت مدينة تين بكتو بمعالمها وآثارها التاريخية. فهي مدينة عابئة بالتراث العلمي والأدبي إلى جانب الصرح الديني اللافت بعبقرية هندسته وجمالية زخرفة المساجد وأضرحة أوليائها الصالحين إضافة إلى مكتباتها الزاخرة بأهمّ مخطوطات العلوم والآداب التي خلّفها دعاتها الصوفيون, وعلماؤها الدينيون وأدباءها والذين قدموا إليها كصوفيين و داعين للإسلام بقوّة الكلمة والمحبّة والسلام، لا بقوّة السلاح الذي يبعد عنها الداني والقاصي".
و يضيف محدثنا "كانت تين بكتو مركز سياحة يضرب بها المثل في إفريقيا إلى أن سُلطت عليها هذه الحركات وصنعت منها مقبرة لهذه المعالم التي جعلتها مثال في إفريقيا بشكل عام و في مالي بشكل خاص".
يواصل المؤرخ محمد سالم فيقول : " سُجّلت آثار مدينة «تين بكتو» ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي لليونيسكو منذ 1988, كما اعتبرت عاصمة للثقافة الإسلامية في سنة 2005
وقد تعالت صرخات المثقفين من كلّ أرجاء العالم عبر هيئات ثقافية وعلمية والمحافظة على التراث وهيئات رسمية لحماية آثار «تين بكتو» من همجية الحركات الإرهابية، وطالبت بردعهم بأي وسيلة منعًا لامتداد تدميرهم لجميع المعالم الأثرية.
وصف مدير القسم الإفريقي في اليونيسكو «لازاري ازومو» هذه الأعمال الارهابية بأنها أبشع الجرائم ضدّ التاريخ الثقافي الإفريقي في عصر التطوّر الحضاري للقرن الواحد والعشرين. ورغم جهود العلماء والباحثين وأمناء المكتبات والمثقفين والسكان المحبّين والمؤمنين بقيمة المخطوطات التاريخية والعلوم الشتّى لكلّ الأديان السماوية المسلمة واليهودية والمسيحية بحماية بعضها أي حوالي 8 آلاف مخطوط إلا أن يد هذه الحركة الإرهابية وأتباعها الجهلاء استطاعوا تهديم وحرق الآلاف من هذا التراث العلمي والأدبي العريق, ومصير أكثر من 300 ألف مخطوط في المكتبات الأخرى مازال مجهولاً".
واعتبر محمد سالم هذا التراث الثقافي ركنًا مهمًا في إعادة بناء السلام في مالي.