تشهد المنطقة إذا خسائر سنوية تقدر بحوالي ستة مليار فرنك و هي كارثة بكل المقاييس خصوصا و أن السكان و أغلبهم فقراء يعيشون بصفة شبه كلية على مداخيل السياحة.
يذكر أن موقع جرف باندياغارا يشمل 289 قرية تمتد على مساحة 4000 كم2 و يحتوي على تراث ثقافي غني و مناظر طبيعية خلابة مما أهله لأن يسجل حضوره على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. الموقع إذا يستحق المشاهدة لكن المخاطر الأمنية في منطقة الساحل حكمت عليه أن يصبح مهجورا.
يقول دينيس ساي و هو مدير مطعم بار في باندياغارا : "الأزمة أثرت على الجميع خصوصا على الفاعلين في القطاع السياحي... قبل ذلك كان كل المرشدين السياحيين و كل من معهم من سياح تقريبا يمرون على المطعم لتناول البيرة و كنت أبيع حوالي 600 قارورة بحساب 1000 فرنك للواحدة مما يمكنني من تحقيق مداخيل يومية تصل إلى 600 ألف فرنك... كانت الحركة لا تتوقف في المطعم و كان الزبائن يحبون المكان". يضيف محدثنا الذي تحول مطعمه إلى مكان مقفر تقريبا : " لم تعد الأجواء على ما كانت عليه... أصبحت لا أبيع أكثر من 12 قارورة يوميا و مداخيلي انهارت تماما و اضطررت للتخلي عن عديد العمال الذين لا يجدون للأسف أماكن أخرى للعمل بسبب تضرر كل سوق الشغل... تفشي البطالة جعل بعض السكان يتركون منازلهم و ينزحون إلى مناطق أخرى بحثا عن لقمة العيش... أما من غامروا بالبقاء فينتظرون بفارغ الصبر حلول الأمن من جديد لتعود الحياة للمنطقة".
في الأثناء، تدفع البطالة الشباب نحو الإنحراف و إدمان الكحول و المخدرات و بعضهم تحولوا إلى مجرمين و قطاع طرق يدفعهم إلى ذلك اليأس و الجري وراء الربح السهل.
أما أصحاب النزل فهم من أكثر المتضررين من الأزمة. يقول مدير نزل كامباري، امبيلام تجيغيبا : " بدأنا نحس بالأزمة منذ 2010 ثم تدهورت الأمور بعد عملية الإختطاف التي وقعت في همبوري في 11 نوفمبر 2011... منذ ذلك التاريخ أقفر النزل تماما بعدما كان يعج بالنزلاء". نزل كمباري الذي كان يشغل 25 عاملا 20 منهم دائمون كان يسجل رقم معاملات يومي في حدود مليون فرنك... مع احتدام الأزمة وانهيار المداخيل أصبح النزل يشغل عاملين اثنين لا غير.
أما مامادو تراوري، المرشد السياحي و بائع التحف الأثرية، فقد خسر هو أيضا كل ما يملك إثر الأزمة لكنه بخلاف العديد من زملائه يحمل مسؤولية ما حصل للحكومة في مالي التي تخلت حسب رأيه عن المرشدين السياحيين مدعية أنهم لا يدفعون الضرائب. مامادو تراوري يؤكد أن " الحكومة ناكرة للجميل لأنها تتناسى أنه بفضل المرشدين ساهم السياح في عديد المشاريع التي تعود بالنفع على المدينة كحفر الآبار و تشييد المباني و تجهيز المدارس و تمويل بعض الحرف الصغيرة" مضيفا : " أتجشم اليوم شديد العناء حتى ألبي حاجيات زوجتي و أبنائي...كل التحف الفنية التي كنت أبيعها مكدسة في بيتي... على المسؤولين أن لا يتخلوا عنا... في كل الأحوال أنا فوضت أمري إلى الله".
مشاكل بالجملة
بابا نابو رئيس جمعية المرشدين السياحيين ينحدر هو أيضا من مدينة باندياغارا. و ككل مواطنيه، يخشى المجهول في منطقة مستقبلها غامض الملامح. يصرح بابا نابو : " باندياغارا تعد اليوم 33 مرشدا سياحيا معترف بهم... في الظروف العادية نحن نعمل من خمسة إلى ستة أشهر في السنة و كل مرشد كان يجني حوالي 20 ألف فرنك في اليوم، أما في الوقت الحالي فنحن نعيش الفقر... قد يمضي علينا شهر كامل دون أن نجني 30 ألف فرنك".
لكن ماذا تفعل الحكومة إزاء هذا الوضع؟ يقول بابا نابو أن الحكومة وعدتهم في 2013 بتمويل مشاريع صغرى لخلق مواطن شغل. الحكومة عبرت أيضا أيضا عن نيتها دعم المحلات التجارية الصغرى وأعمال البستنة و تحويل المنتجات المحلية... من أجل ذلك جاءت بعثة من باماكو لتدريب المرشدين في مجال إدارة الشركات. " إثر انتهاء التدريب، وعدتنا الحكومة بتقديم التمويل لكل المتدربين ولازلنا ننتظر لحد اليوم" يستنكر محدثنا.
يذكر أنه في ديسمبر2014 ، أسست جمعية المرشدين السياحيين مشروعا صغيرا من أجل إعطاء دفع للسياحة المحلية لكن التجربة فشلت. يقول بابا نابو : " كل مدخرات الجمعية وضعناها في هذا المشروع لكنه فشل... نحن نمر بوقت عصيب... عائلات بأكملها تتهاوى و الأطفال يتركون المدارس بسبب الأزمة". أزمة لم تستثني أحدا حتى الباعة المتجولين...
كارثة صحيـة
من ناحيته يقول حميدو امبوتامب وهو من سكان قرية موري الواقعة في ميوتومو : " قريتنا متوأمة منذ 1984 مع مدينة فوجوكور الفرنسية التي ساندتنا كثيرا من خلال تجهيز المركز الصحي بالمعدات الطبية والأدوية مما ساهم في توفر العلاج ... حتى نسبة الوفيات انخفضت في القرية ... لكن اليوم أصبح المركز الصحي يفتقر لكل شئ لذلك هجره المرضى والإعانات التي كانت تأتي من فرنسا توقفت بسبب الأزمة وانعدام الأمن ... إنها كارثة فالناس بدأوا يلجأون للطب التقليدي ونسبة الوفيات عادت إلى الارتفاع".
أما انطوان طوغو أصيل قرية بينماتو فيتحسر على حال مدرسته القديمة...هذه المدرسة التي شيدها وقام بتجهيزها شركاء أجانب سنة 2000...حتى أجور بعض المدرسين و دفع تكاليف الأدوات المدرسية لبعض التلاميذ الفقراء كانت تدفع من الشركاء، أما بعد الأزمة فقد أقفلت المدرسة أبوابها لعجز المجلس القروي عن دفع أجور المعلمين حيث يواجه التلاميذ مستقبلا غامضا خصوصا مع افتقار الجهة لمدرسة حكومية أخرى ...هكذا إذا يجد جيل كامل من التلاميذ نفسه عرضة للانقطاع عن الدراسة.
الكارثة حلت أيضا على حرفيي باندياغارا .... يقول مادونيامو تلي أحد هؤلاء الحرفيين وهو يلقي نظرة حزينة على جرف باندياغارا : " أمارس مهنتي منذ 1986 ... كان جرف باندياغارا يعج بالسياح الذين كانوا يهتمون كثيرا بالقطع التي أصنعها ... كان كل ما أصنعه يباع بسرعة وكنت أجني من وراء ذلك مالا كثيرا أما اليوم فكل شئ تغير، لم يعد هنالك سياح ولم أعد أبيع شيئا لذلك تركت مهنتي و أصبحت مزراعا فلا أحد هنا يهتم بشراء الصناعات اليدوية".